صهيلُ قَلَم
صهيلُ قَلَم
إلى محمد زيدان، "حياً فقط"... القلمُ الذي حَلّقتْ أجنِحَتُهُ ونَسِيَتْه خلف السّطور.
لمْ أشأ أنْ أتمعّن في صفحَاتِ الغَيبِ،
لمْ أشأ أنْ أرفعَ الحُجُبَ،
لمْ أشأ أنْ أستَرِقَّ السَّمعَ،
لمْ أشأ أنْ أطّلعَ في الألواحِ القديمةِ،
لمْ أشأ أنْ يُقرأ فِنجاني، أو يُكشفُ لِيَ "البَخت"
لم أشأ أنْ أتغَلغَلَ في أعمَاقِكَ
أنْ أُعرّيَ ما خَلفَ سُطُوركَ
أنْ أكشِفَ للعَيانِ تاويلاتكَ ..
لمْ أشأ..
وأنّى ليَ المشيئة وأجِدُني مَحمولاً علَى أجنِحةِ سَفَرٍ
ألمَحُ الخُطَى وهْي أسرَابٌ مُحلّقةٌ في سَمَاواتكَ الأولى
هذَا ما أوحَتْهُ لي قَراطيسكَ الأزليَّة..
ما غنّتهُ لي أحزانُكَ الضّاحِكَة
ما ترنّمتْ بهِ ألحَانُك المِصريَّة
مِنْ عهدِ فِرعونِ الأوَّل
ولكنَّ الحقيقة واضِحَة لا تحتاجُ إلى عينينِ لنَرَاهَا
ولا لأُذنَينِ لِنَسمعهَا ولا إلى قلبٍ لَنَعِيَها
إنَّها بحاجةٍ إلى وهَجٍ مِنْ نبضِ الإخَاء
شُعلةٍ مِنَ الحُبّ؛ وميضٍ مِنَ الرُّوحِ
وهَا أنَا أجِدُ كلَّ ذلكَ لَدَيك فأينَ ستَأخُذُني ؟
وأينَ ستحطُّ بِيْ مِن علَى صَهوةِ قَلَمِكَ الجَميل ؟.
***
أيّها " المُريدُ " لقَد سَافرتُ معَك إلى"اللانهاياتِ"..
لمْ نَجِدَهَا هُنَاكَ..
عجبَاً لقَدْ وصلَنَا لِمحَطّةٍ أخيرَةٍ،
وكانَ اللاوجُود يَنتَظِرُنا !
مُنبَهِرَاً بِسِندبادَينِ عَنيدَين..
كَيفَ وَصَلا ؟!
كانتِ الآفاقُ البعيدة تُغَطّي جَزائرَها المُعلّقَة
برِكُامٍ مِنَ السُّدُمِ؛ وبُروجٍ مِنَ الكَلِمَات..
وكُلّ حَرفٍ شُمْسٌ تَسطعُ في الفَضَاءِ
والوُجوداتُ الأخرَى تبتعِدُ.. تبتَعِدُ ..تبتَــ ...
ونحنُ لَمَّا نُحرّكُ سَاكناً
رغمَ التّعبِ والإرهَاقِ
لقد كانَ بُراقَ أحلامِنا قدْ لَفَظَ إبدَاعاتهُ الأخيرَة
وسالتْ دماءُ نُصُوصِهِ
علَى مسَارِبَ السُّطُورِ
وتغلغَلَتْ في جَسَدِهِ المُنهَك
أرواحٌ جَديدَةٌ مِنْ وَمِيضِ الأمَلِ ونُورِ التُفاؤُلِ..
وهَا نَحنُ نَنْطَلِقُ مِنْ جَدَيد..
***
قرأتُ زيارَتَك الأخيرة
قرأتُها مِنَ الألِفِ الأُولَى إلى اليَاءِ المُستنِيرَه
قرأتُها بعَينينِ نَضَّاخَتينِ بالحُبِّ تَنْثُرُ مَاءَ الحَيَاةِ
فيسِيلُ في أوديةِ النّفوسِ لِتُنبِتَ مِنْ كُلّ زوجٍ بَهِيج
وتخضَرُّ تِلكَ الأمَاني الحَبِيسَة بَينَ جُدرانِ الوَاقِعِ..
وتتسَلَّلُ أغصانُنَا مُتخللةً ذاكَ الصَدأ البَغِيض
***
"أسماءُ" عُمرِكَ أيقونةُ الخَصْبِ
أُمُّ السَّنابلِ.. حَارسةُ المَدَى
ينبثِقُ النّورُ منها أوديةً ملأى بأكوامٍ مِنَ الأمَلِ الرَّحِيب
عينَاهَا أُغنيتانِ تُنِثّرانِ الوَردَ في مَوسمِ الحَصَادِ
فتمتَلئ السّلالَ دَنْدَنِات الوجدِ..ومَوّالاتِ الرّاحِلين
إلى ألْفِ غَدٍ لا يعرِفُ المُستَحِيل
"أسماءً" عَلَّمَها الرَّبُّ كلَّ الأوادمِ
تَرتيلةً أزليّةً لا ابتداءَ لَهَا ولا انتِهَاء
تشدُو بِها الرُّوحُ فتَولدُ كُلّ يومٍ مَرّتين
رِحلةُ "البُّكورِ" و "الليل"..
فتنفتِحُ النَوافِذُ والشّرفَات علَى أفقٍ سِعيد
***
إيهَاً أيّتها الرّوحُ.. أيَّتُها المُسَافرة في جِسَدِي
يا مَنْ تُسرِجِين ظُلمَتَهُ
وتعبرينَ إلى ذلكَ السَّرَابِ الخُرَسَاني المُسلَّح
هَا أنذا أُمزَجُ آهاتٍ بِسرّكِ العَجِيبِ
وأنبضُ في أعمِدةِ نورِكِ..أُضِيء لِيَ الدُّرُوب
***
وألقَاكَ في قَارعةِ الطَّرِيقِ
تَجْلُس القُرْفُصَاءَ وتَهذِي بِتَمتَمَاتِ سِحرِكَ
تَنْفُثُ في عُقَدِ القَوافِي
أُهدِيكَ بَسْمةً تَسرِي إلى أعمَاقِك
تنفَرِج الأسَاريرُ..وتضحَكُ الدّموعُ
هيَّا "نَتَسَكّعُ" في حَارَاتِ أُمّ دُنْيَانَا مَعَاً
فالأمّ تَفرَحُ بالبَنِينِ ظِلاًّ بِرَائحةٍ الحَنَانِ وعُنفُوانِ العَاشِقِين.