حينما يتكلم السواد والبياض بلاغةً وفنّاً
إن امتلاك القدرة على قراءة العمل التشكيلي بعيدًا عن الاجتهادات التي قد تُصيب وتُخطئ لهو دليل على فهم للعملية الفنية بشكل صحيح، والتي تمر عبر مراحل متعددة، تبدأ من تَلمُّح الفكرة وتَخَمُّرِها تصورًا، ومن ثم تجربتها واقعًا ملموسًا، مرورًا بالمكابدات حول نشوء التكوين ومراحل نموه بروزًا بين محو وإضافة وتعديل وتأكيد، ووضع اللمسات الأخيرة، إلى أن يتبلور اكتمالًا ويكون جاهزًا للعرض.
تتفاوت الرؤية حول العمل الفني حين يصطف بين أعمال أخرى ضمن مساحة معرض ما، قد ينسجم وقد يتباين، وقد يتوه وربما يكون بارزًا على الجميع، لكن لكل عمل فني مشهديته الخاصة حسب المدرسة التي ينتمي إليها باشتغال مدروس وفهم للتقنية وتنوع في الأسلوب مع توظيف صحيح للخامات وغيرها، عندئذ يُعَبِّر العمل الفني عن هوية مَن أنجزه بعيدًا حتى عن حضوره الشخصي المباشر، تقرؤه الذائقة بمساحات مفتوحة بين النقد المتوازن والإعجاب المُنصف والإطراء المُحكم، فأي مُنجز فني دائمًا تتعدد حوله الرؤى وتتفاوت اتجاهه النظرات حسب طبيعة كل عمل.
بين هذا وذاك، ما أجمل أن يقف الفنان مُفَسِّرًا عمله موضحًا مرئياته وتصوراته، بغض النظر اتفق معها المتلقي أو اختلف، سواء الطرف المقابل كان فنانًا أو مثقفًا أو مُحِبًّا للفن، وحتى لو كان زائرًا عاديًا، فإن صاحب العمل هو سيد عمله، وكل خط ولون هما انعكاس لفكره وتطوره ومدى نُضج تجربته.
إن الفهم الواعي للعملية الفنية يحتاج إلى دُربة واقتدار، بعمل متواصل وعروض متنوعة ضمن مشهدية ثرية تتوالى فيها التجارب وتتعاقب فيها العروض وتتنوع فيها الرؤى.
تقودنا تلك المفاهيم كترجمان حي لمعارض جماعة الفن التشكيلي بالقطيف عبر ثمانية معارض متتالية، ما إن تُفرغ الجماعة من معرض إلا وتُعِدّ العُدَّة لمعرض آخر، ابتداءً بمعرض ”المواهب الصغيرة - 7“ ومعرض ”روازن“ في نسخته الرابعة ومعرض سما للأطفال بمناسبة اليوم الوطني، وكذا المشاركة المميزة ضمن روزنامة مبادرة ”الشرقية تُبدع“ حيث كانت الجماعة حاضرة من خلال أربعة معارض، أولها المعرض الجماعي السنوي في نسخته ”22“ والمعنون بـ ”تواصل“ والذي شمل بداخله معرضًا آخر مختصًّا بالناشئين الأول، الذين تقع أعمارهم بين 13 - 17 سنة، والمسمى يرمي لتواصل الأجيال بين بعضها البعض في حيز واحد، وأتى بعده مباشرة معرض ”أنامل واعدة - 3“، وتوج الحراك الفني للجماعة باختتام المبادرة بإقامة ”معرض أسود وأبيض في نسخته الثالثة“ والتي انتهت فعالياته مؤخرًا.
وعنه دارت نقاشات وتناثرت حوارات سواء بين المشاركين والمشاركات أنفسهم من جهة، أو بينهم وبين زوار المعرض من قِبَل فنانين وغير فنانين من جهة أخرى، سواء من داخل المنطقة أو خارجها، وأيضًا من ضيوف المعرض وبالأخص مجموعة من فناني البحرين ”لجنة نسيج الفن“ يتقدمهم الدكتور كامل الجمري الذي كان الحوار معهم ممتعًا ومُثمرًا.
معرض أسود وأبيض خلال أيامه الخمسة أفرز نقاشات جادة من قِبَل العارضين أنفسهم، وبحُسن التحدث بوعي عن أعمالهم لما تحمله من عناصر مُستترة ضمن نسيج لوحاتهم ربما لم يُفطن لها المتلقي العابر بصورتها المباشرة، فكل فنان وفنانة كشفوا عن مدلولات أعمالهم وأسهموا بإثراء أجواء المعرض بحوارات فنية، أضافت نجاحًا للمعرض عبر أحاديثهم المباشرة وكتاباتهم المدونة والتي تُبشر بذائقة بصرية قادمة تعرف كيف تقرأ العمل الفني من أوجه عدة.
وللتدليل على ذلك، سأكتفي فقط بنشر ما كُتب عبر القروب الخاص بالمعرض من لَدُن أحد المشاركين وأربع من المشاركات، وأيضًا كلمة مهمة من أحد المؤسسين للجماعة لمعرض حاز على إعجابه إتقانًا وحُسن إجادة لكل ما حوى من أعمال يربو عددها 58 عملًا أنجزتها أنامل 58 فنانًا وفنانة بواقع عمل واحد لكل مشارك ومشاركة، فقد أبلغونا تنوعًا في الرؤى وتعددًا في الأساليب وقيمًا فنية في المحتوى والمعنى، معرض اختُتمت فعالياته يوم السبت المُنصرم يوم 23 نوفمبر 2024 م.
وأول ما دُوِّن كتابةً نبدأ برسالة الفنان الشاب عبدالله سعيد العقيلي وهو عضو جديد، فاعل في حراك معارض الجماعة تنظيمًا وتجهيزًا، ولديه مقدرة بحُسن التعامل مع الأبيض والأسود في مسارها الصحيح، نقرأ مرئياته حول مشاركته الثانية وانطباعاته الواعية:
”شرف لي أن أكون جزءًا من معرض“ أبيض وأسود الثالث" الذي نظمته جماعة الفن التشكيلي بالقطيف بالتعاون مع سما آرت للفنون البصرية، هذا الحدث الفني المتميز أتاح لنا نافذة نطل من خلالها على تجارب غنية ومتنوعة في الرسم بالأبيض والأسود، حيث عكست الأعمال المشاركة تنوع المدارس الفنية وعمق المواضيع المطروحة التي تميزت بالجمال والإبداع.
الفن التشكيلي بالأبيض والأسود يُعتبر من أكثر أشكال التعبير الفني جرأة وبساطة في آنٍ واحد، فهو يعتمد على لونين فقط، الأسود الذي يرمز إلى العمق والغموض، والأبيض الذي يُعبر عن النقاء والضياء، هذه الثنائية ليست مجرد ألوان بل أدوات تعبيرية قوية تستدعي من الفنان القدرة على استكشاف التكوين والظل والنور بطريقة مكثفة، الرسم بالأبيض والأسود يُبرز التفاصيل الخفية التي قد تُضيعها الألوان الزاهية، ويُركز على البنية الأساسية للعمل الفني:
1- الخطوط
2- الأشكال
3- الملمس
وهذا ما يتطلب من المشاهد قراءة أعمق للوحات لفهم المشاعر والأفكار الكامنة خلف هذه البساطة الظاهرة، هذا الأسلوب لا يقتصر على تقديم اللوحة، إنما يُعبر عن رؤية الفنان بطريقة مباشرة وأحيانًا فلسفية حيث يجعل المشاهد يُركز على الجوهر دون أن يتشتت بالألوان.
وفي الأخير أتوجه بخالص الشكر لجميع الفنانين المشاركين الذين أتحفونا بإبداعاتهم وأعمالهم التي أبرزت قوة هذا النوع من الفن. كما أقدم شكري العميق لإدارة جماعة الفن التشكيلي بالقطيف وعلى رأسها رئيس الجماعة الفنان عباس رقية ونائبته الأخت الفنانة سعاد وخيك، وجميع الإداريين، على جهودهم الرائعة في إنجاح هذا الحدث، ولا يُفوتني أن أشكر الفنان الكبير عبد العظيم شلي، الذي أضاء المعرض بكلماته المُلهمة وقراءاته العميقة للأعمال الفنية، كما أوجه شكرًا خاصًا للسيد علوي الخباز، الأب الروحي للجماعة، على دعمه المُستمر وإلهامه المتواصل للجميع، كما أشكر كل الزوار والفنانين الذين زاروا المعرض وأسهموا بقراءاتهم النقدية وملاحظاتهم التي أثرت تجربتنا الفنية. نسأل الله أن تستمر مثل هذه الفعاليات في دعم الحركة التشكيلية، وأن تكون المعارض القادمة أكثر شمولًا وقوة، لتعكس تطورًا أكبر في الفن التشكيلي بالأبيض والأسود وغيرها".
انتهت رسالة الشاب عبدالله التي تُنبئنا سطورها عن فهم عميق في التعامل بتقنية الأسود والأبيض، وأيضًا عن قلم واعد إذا استثمره فإننا أمام فنان ناقد.
وبكلمات أدبية مُبسطة من لَدُن أحد الوجوه الصاعدة، نقرأ ما كتبته الفنانة رحمة السادة:
”لأهل الفن والإبداع، الحالمون، لمن يرون الجمال في كل زاوية، ويُعبرون عن أحاسيسهم بلغة لا تحتاج إلى كلمات. أُهنئكم على افتتاح معرض أبيض وأسود في موسمه الثالث، كل خط في اللوحة عبر عن قصة نسجها الفنان بإبداعه الفريد، إلى مزيدٍ من الإنجازات“.
ومن الفنانة رحمة السادة إلى الفنانة يسرى الحماقي، كيف ترى المعرض بإحساسها الفني المتوثب نحو عوالم تتشكل تعبيرًا من الضدين الأبيض والأسود: ”إن محدودية الألوان أو الأحجام تفتح أمام الفنان آفاقًا واسعة للتجربة والابتكار، كما تُجبره على التفكير بعمق في كيفية استخدام كل عنصر بشكل مُعبر ومدروس حتى وإن كانت غير مُحببة عند بعض الفنانين، فكل فنان لو ينظر لها على أنها تحدٍّ، تتحول في اللحظة نفسها لوسيلة للإبداع وليست قيودًا، والمعارض التي تحتوي على أعمال بألوان وأحجام محدودة تُظهر أن الفن ليس محصورًا بتعدد الألوان أو الأحجام، بل يرتبط بالرسالة أو التجربة التي يحاول كل فنان إيصالها للمجتمع، وأيضًا للمتذوقين في الفن، تعدد الألوان والأحجام أو محدوديتها يمكن أن تكون مجرد وسيلة للتعبير وليس الغاية نفسها، كل التوفيق للجميع“.
نعم هي القدرة على مواجهة التحدي في توظيف أُحادية لونين فقط عبر رسالة مقروءة بصريًّا، ونُبصر إحساسًا مفعَمًا بالتحايا وكلمات الشكر للفنانة العائدة بعد انقطاع سنوات عن الفن والجماعة وهي الفنانة نهى العسيف:
”شكرًا لكل جميل بقي جميلًا معنا حتى النهاية، سلامًا وحبًّا واحترامًا لمن يفعلون المعروف دون انتظار، شكرًا لكم جميعًا. كلمات الثناء لا تُوفيكم، وكل كلمات الشكر لا تُوفي حقكم، امتناني لكم كبير، شكرًا لمن أعطى بلا حساب وقدم بلا مُقابل وتعب دون كلل، شكرًا لك أيها الأب الروحي السيد علوي الخباز، وشكرًا أيها العم الطيب صاحب الكلمة الراقية الأستاذ عبد العظيم شلي، شكرًا لرئيس الجماعة عباس رقية على جهوده المضنية، والشكر موصول للأستاذة صاحبة القلب الأبيض سعاد وخيك على تواصلك مع الجميع دون كلل. شكرًا لكل من قدم فرشاته ترقص في تناغم الأبيض والأسود حتى تغنت وزينت جدران المعرض بجمال لوحاتكم، هكذا هو الفن القطيفي، أبدعتم جميعًا، وألف شكرًا لمن أخصني بأجمل العبارات والمديح، وفي الأخير لا أملك إلا أن أقول:“ إنا فتحنا لك فتحًا مبينًا ”اللهم اجعل لنا نصيبًا من هذه الآية الكريمة“.
سطور مُكللة بالامتنان ومُذيلة بإشارة لعملها الحروفي الذي يتراقص بتكرار أُسَر بخط الكوفي عبر الآية الكريمة: ”إنا فتحنا لك فتحًا مبينًا“، دلالة واضحة جلية المعاني بين الشخصي والعام.
ومن مُحِبَّة للحرف لعاشقة للحروفية عبر ريشة فنانة مغموسة باصطفاف تشكيلات الحرف تكوينًا فنيًّا نابضًا بالحياة، ولا عجب فهي خطاطة لديها مقدرة في إتقان كتابة الخط العربي وبالأخص الديواني، إنها الفنانة فايزة المسعود، دونت انطباعها بحروف محفزة: ”أبدعت الأنامل وتألقت اللوحات بكل ما تحمله من مشاعر واتجاهات، وكان التحدي للون الأبيض واللون الأسود معًا نجاحًا وتألقًا، الجميع أبدع، ويارب من هذا لأكثر، بوركت جهود الجميع، وإلى معارض أخرى يرى النور إبداعاتكم وتألقكم“.
هناك أيضًا كلمات ثرية ورؤى متعددة تناثرت على السنة أغلب المشاركين والمشاركات خلال أيام المعرض، وفيض من الشكر والعرفان ازدان به دفتر الزيارة من قِبَل الزائرين والزائرات، وهنا من الصعب حصرها ونشرها جميعًا، ما عُرض أعلاه من رسائل هي مُنتقاة وهي تُعبر عما جاش في الصدور وتناهى للسمع والبصر قراءةً وحديثًا حول معرض افتتحه رجل الأعمال الوجيه فؤاد الدهان، الداعم للجماعة ماضيًا وحاضرًا، ولحضوره معنى وقيمة لرجل مُحِب لأبناء وبنات بلده ولترابه الطيب.
نجاح المعرض نتلمسه في النظرة الواعية لأحد مؤسسي الجماعة الذي ما انفك يومًا في دعمها معنويًّا وماديًّا ورسم الخطط المستقبلية لجماعة الفن التشكيلي بالقطيف والحافظ على مسيرتها والمتحمس دومًا للفن، لنتأمل قراءة الفنان زمان جاسم:
”معرض“ أبيض وأسود ”الثالث لجماعة الفن التشكيلي بالقطيف يعود هذا العام بفكرة مليئة بالتحديات. قد يتساءل البعض: لماذا تختار الجماعة إقامة معارض بشروط تبدو صارمة أو غريبة مثل“ أبيض وأسود ”أو“ الأعمال الصغيرة"؟ وقد يظن البعض أن هذه الشروط تُقيد حرية الفنان، لكن الحقيقة هي تجربة تهدف لتحفيز الفنان على التفكير بطريقة مختلفة ومُغايرة في خوض غِمار تجارب جديدة، خاصةً بأن هناك معرضًا جماعيًّا سنويًّا حُرًّا مفتوحًا للجميع، وهذا يعني بأن هناك تنوعًا في اختيار الأفكار في العروض، وربما ما يُقيد الجماعة أكثر فقط الحجم لاستيعاب الصالة لا أكثر.
الأول: قلة الألوان المتاحة تجعل الفنان يعتمد على التباين بين الأبيض والأسود، وهو ما يُشبه التمرين على الإبداع بأبسط الأدوات، هنا تظهر براعة الفنان في التعبير باستخدام النور والظل فقط. الثاني: هذا النوع من المعارض يجمع تجارب متنوعة بين الفنانين، مما يخلق فرصة للتعلم من الآخرين واستكشاف طرق وأساليب جديدة.
خلال زياراتي للمعرض لفتني العديد من الأعمال التي أظهرت كيف يُمكن للونين بسيطين أن يخلُقا جمالًا مُتناغمًا وحسًّا عميقًا، وكيف يُمكن للفنان أن يُسيطر على عمله باستخدام الأبيض والأسود فقط؟ هذا السؤال يجعلنا نُدرك أن البساطة ليست قيدًا، بل فرصة للإبداع والتأمل.
هذه التجربة يجب أن تكون محطة أساسية لكل فنان، لأنها تُساعده على تطوير مشروع فني مُتكامل يعكس فهمًا أعمق للأفكار والأدوات، الأشياء البسيطة دائمًا تفتح أبوابًا جديدة وتلامس الروح بصدق. أُهنئ الجماعة وكل المشاركين على هذا المعرض، وأتمنى أن يستمر هذا النوع من التحديات، وأن يتحول إلى نقطة انطلاق لمعارض فردية مُستقبلية للفنانين، كل التوفيق للجميع.
هي كلمة ليست محفزة فحسب، من فنان عينه صائبة ويده خبيرة تعرف ماهية أبعاد كل خامة على حِدة، وله نظرة تقييمية وتحكيمية حول كل عمل، فكلمة الفنان زمان محل اعتبار لأنها نابعة من ذائقة بصرية ثرية.
"معرض أسود وأبيض الثالث - يتوهج البياض نصاعةً بجوار نقيضه الأسود، ويتألق الأسود حلكةً بتماسه مع الأبيض، لونان مُتباينان، تارةً نرى الأبيض قليلًا والسواد هو السائد كما في الطبيعة، وخير مثال نجوم الليل المُتناثرة المُضيئة وسط ظلام السماء بفضائها الواسع، وتارةً أخرى نشاهد السواد نُقطةً بين موج البياض المُتحرك، كطواف الحجاج والمعتمرين بإحرامهم الأبيض حول الكعبة المُشرفة بستائرها السوداء.
وثمة تعادل بين توزيع اللونين، نراهما مُتساويين لا غلبة لأحدهما على الآخر، كما هو منقوش على جلد الحمار الوحشي.
وهناك عملية تحول بينهما، تنعكس على نفسياتنا، وأقسى شيء نراه من تحول تدريجي بين جماليات الشعر الأسود وتحوله إلى بياض، وكأن البياض مذمومًا والأسود مُحببًا، والعكس من ذلك حين نرى اتشاح النسوة لملابس سوداء تعبيرًا لحالة حداد لديهن، وكأن السواد يبعث الحزن فينا ونُعِدّ الأيام لنزعه عن تلك الأجساد.
وأي بريق وجمالية خَلَقَتْ تلك العيون السوداء وسط بياض لامع!
لكَمْ يأسرنا تجاور هذين اللونين في الحياة، كلٌّ يُكمل الآخر، ومن جلالهما خطت أقلام وانبَرَأت قرائح الشعر مدحًا وتأويلًا، وتجلت أنامل الفنانين والفنانات لرصد وتفعيل حركتهما الفاتنة بأعمال خالدة.
فتنة بصرية بين الأبيض والأسود يُجسدها معرض جماعة الفن التشكيلي في نُسخته الثالثة لعام 2024، هو انعكاس لكل مرئيات المشاركين والمشاركات الذين أبحرُوا بين عوالم وفضاءات هذين اللونين المُتباينين وتدرجاتهما، واللذان يكمن سحرهما من الطبيعة، وانتقالهما واقعًا في حياة البشر كخامة نفعية أو كرمز ديني وحُلَّة تزيينية، إلى التبدلات البيولوجية في شعر الإنسان، لونان مُتوهجان لهما فلسفة في الحياة والفن، والذائقة البصرية لا تشبع من توظيفهما بجوار بعض، لتسرد الواضح والغامض والمعلن والمُستتر بينهما وكأن اللونين في حوار دائم لا ينتهي".
معرض أسود وأبيض بكل ما حوى رسائل فنية وضاءة تكلمت بلاغةً وفنًّا، كيف قرأها ضيوف المعرض؟ لنتأمل قائد مجموعة ”لجنة نسيج الفن“ من البحرين الشقيق وما خطته يداه من انبهار وإعجاب بما رأى:
”نسيج الفن“ وإبداع القطيف
كتب: د. كامل الجمري 2024/11/29
في سعيها لتعزيز الوشائج الثقافية بين دول الخليج، تلقت لجنة ”نسيج الفن“ من البحرين دعوةً عزيزةً لحضور معرض ”أبيض وأسود“ المُقام في رحاب جمعية القطيف الخيرية بالشقيقة السعودية، هذا المعرض، الذي يُعَدّ ملتقى لأرواح مُبدعة من شتى المدارس الفنية، نُظِّمَ بعناية فائقة من قِبَل جماعة الفن التشكيلي بالقطيف بالتعاون مع نادي آرت سما للفنون البصرية، تحت مظلة مبادرة ”الشرقية تُبدع“.
امتد المعرض من 19 إلى 23 نوفمبر 2024، حيث حل وفد ”نسيج الفن“ ضيفًا في يوم الختام وحفل التكريم، مُستقبلًا بحرارة من السيد علوي الخباز، الأب الروحي للفن التشكيلي بالقطيف، إلى جانب الفنان القدير عبد العظيم شلي، مُستشار الجماعة، وعباس آل رقية، رئيس جماعة الفنون التشكيلية، والأستاذة سعاد وخيك، نائبة الرئيس والمنسقة للمعرض.
من اللحظة الأولى لدخولنا، انجرفنا في دوامة من الجمال الفني، حيث عانق اللونان الأبيض والأسود جدران جمعية القطيف الخيرية، ليشكلا سيمفونية بصرية من الإبداع الخالص، في هذا الفضاء الساحر، اجتمع 57 فنانًا، كلٌّ منهم ينسج بخيوط عبقريته عالمًا من الحيوية والمعاني التي تتجاوز حدود الألوان.
ألوان الفحم والباستيل والإكريليك، إلى جانب الألوان المائية والحبر والمعاجين، كانت بمثابة اللوحة الأم لأعمال فنية تجريدية، وسيريالية، وواقعية، وتكعيبية، تُزينها حروف وزخارف إسلامية، كلٌّ منها يروي قصةً، وكل ضربة فرشاة تنبض بروح الفنان.
حضور وفد لجنة ”نسيج الفن“ من البحرين يُمثل خطوةً نوعيةً نحو تبادل الثقافات والخبرات الفنية، مما يُعزز آفاق التعاون المُستقبلي بين الفنانين في المنطقة، هذه الجهود المُشتركة تُبرز التميز والإبداع في الفن التشكيلي، وتُؤكد على أهمية التواصل الثقافي بين الفنانين في دول الخليج، ليظل الفن جسرًا يُعبر عن أعمق المشاعر وأسمى الغايات،
كلمات نابعة من القلب تعكس رؤيةً شاملةً من عين مُبصرة فنًّا وثقافةً لما تضمنه المعرض وآفاق مراميه، مُعززةً بقيم التعاون والتعاضد الأخوي، ومُكثفةً بمعانيها التشكيلية ودلالتها الجمالية، ومُذيلةً بفيديو قصير من تصوير الأشقاء أنفسهم يرصد كل أعمال المعرض وحفل تكريم الفنانين والفنانات.
شكرًا لمن رسم الجمال كلمةً ولونًا.
حاليًّا، يُعرض لجماعة الفن التشكيلي بالقطيف معرض اللوحات الصغيرة 50×50 سم، المعنون بـ ”روازن - 4“ في محطته الثانية بدار نورة بالأحساء، والذي افتتحه الفنان الكبير عبد الحميد البقشي مساء الخميس وسط حضور يُثلج الصدر من فناني وفنانات الأحساء.
الآمال مُرتقبة لمحطات أخرى وفعاليات آتية ومعارض مُستقبلية برسم نبض القلب وعيون تواقة للإبداع، وقادم الجماعة أجمل وأجمل.