آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 12:36 ص

وداعًا يا عباس البريهي، يا من تركت بصماتك في قلوب محبيك

عيسى العيد *

عندما يغيب الموت شخصًا له مكانته في أوساط مجتمعه، ترى ذلك واضحًا جليًا في نفوس من يعرفونه؛ تتلوى ألمًا لفقده، وتظهر الحسرة عند تذكر أنه لا رجعة له. هكذا هم من يعيشون بين الناس؛ إذا غابوا عنهم، حنّوا عليهم لطيب معشرهم وصدق نياتهم. تراهم في المجالس زينة لها، وترحيبهم بالآخرين ميزة، وصفاتهم تتعدد مع كل من عاش معهم. لكل واحد منهم ذكرى تربطه بالآخرين.

عباس البريهي، الذي وافاه الأجل إلى عفو الله ورضوانه، ترك بصمات واضحة يذكره بها مجتمعه ويتحسر على فقده؛ لأنه سيدفن، وتدفن معه تلك المزايا.

من أبرز صفاته، رحمه الله، صدقه في نقاشاته وصراحته فيها. كان حين يستمع لأحد الخطباء يبدي ملاحظاته ويناقش بأسلوب جميل، فهو يمتلك حصيلة ثقافية نتيجة اطلاعه الدائم وشغفه بالقراءة. ومع ذلك، عندما يناقش الآخرين، يتحدث بأدب وتواضع وصراحة، مما يجعل من يستمع إليه لا يسأمون من حديثه، بل يضفي على المجلس بهجة وسعادة. كان مجلسه يزداد حرارةً بالنقاش، خاصة عندما كان يقدم فكرة تختلف مع الآراء الأخرى، لكنه كان يصر عليها ويعززها بالأدلة والبراهين.

ومن مميزاته الأخرى، عشقه للكتب. كان أفضل هدية يمكن تقديمها له هي كتاب، فقد كان يُظهر حبًا شديدًا للكتب، ويحرص على زيارة معارض الكتاب، إذ كانت المكتبات بالنسبة له هي السوق المثالية التي تحمل البضاعة الثمينة. لا زلت أتذكر أنني أحضرت له مجموعة كتب من تأليف سماحة الشيخ حسن الصفار، واتفقنا على وضعها له في مكان محدد ليذهب ويستلمها. لكن، لسوء الحظ، لم يكن الشخص الذي أعطيته الكتب موجودًا، لأنه قد مرض ولم يفتح محله. المرحوم عباس اتصل بي مرارًا يسألني عن الكتب. عرضت عليه أن أقدم له مجموعة بديلة، لكنه لم يرَ ذلك كحل، بل أصرّ على الحصول على الكتب التي جلبتها؛ لأنها بالنسبة له أشبه بالجواهر، ويرى أنه من الظلم أن تضيع أو يُستهان بها.

ارتباطه بالكتب كان عجيبًا، حتى أنك قد تشك إن كان يقرأ تلك المجموعة الكثيرة التي يقتنيها، لكن الأمر كان مختلفًا معه؛ لأنه كان يلخص الكتب، وقد يختلف مع المؤلف في فكرة، ويوصيني بنقل ملاحظاته إلى صاحب الكتاب. وإذا حدث أن التقيت به مجددًا، يسألني إن كنت قد أوصلت ملاحظاته حول الكتاب.

رحمك الله يا أبا فضل الله. لقد رحلت، وخلفت في قلوب محبيك حسرة، وفي القلب لوعة. رحلت، لكن ذكراك ستظل خالدة لما تحمل من صفات طيبة ونقية.

رحمك الله وأسكنك فسيح جناته.