آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 12:36 ص

خمسون عامًا من الذكريات: اللقاء العاشر لخريجي الثانوية التجارية يُجدد الروح ويُلهم الأجيال

عبد الله العوامي *

“حين يصبح الماضي بوابة للمستقبل، وحين تصنع الذكريات جسورًا من التواصل الإنساني، تولد لقاءات كهذه، لتُثبت أن القيم الحقيقية لا تندثر.”

في عالم تسيطر فيه التكنولوجيا على تفاصيل حياتنا اليومية، تبرز لقاءات خريجي الثانوية التجارية لعام 1974 م «قبل 50 عاما» كنموذج فريد يجمع بين عبق الماضي واستلهام القيم الإنسانية، ليؤكد أهمية التواصل المباشر والإنساني في زمن أصبحت فيه العلاقات تعتمد بشكل كبير على وسائل التواصل الافتراضي.

اللقاء العاشر - ختام عقد من التواصل والذكريات:

في نوفمبر 2024 م، اجتمع خريجو الدفعة الثانية للمدرسة الثانوية التجارية بالدمام لعام 1974 م «قبل 50 عاما» في مدينة القديح لإحياء اللقاء السنوي العاشر. كان اللقاء هذه المرة بضيافة الإخوة «علي طحنون، محمد الخويلدي، وعباس توفيق»، الذين استقبلوا زملاءهم بكرمٍ يجسّد روح هذا الجيل وقيمه الأصيلة.

هذا اللقاء لم يكن مجرد تجمعٍ عابر، بل كان احتفاءً بمرور عشر سنوات على انطلاق هذه اللقاءات السنوية، التي امتدت على مدار خمسة عشر عامًا رغم التحديات، ومنها فترة الانقطاع خلال جائحة كورونا. في كل مرة، تعيد هذه اللقاءات روح الصداقة والأخوة، وتُجدد التواصل الإنساني الذي ميز خريجي هذه الدفعة.

الثانوية التجارية بالدمام جيل التأسيس والتطوير:

عملت وزارة التعليم في المملكة العربية السعودية منذ أوائل السبعينيات على تطوير التعليم التجاري كجزء من رؤية لتحسين النظام التعليمي ومواكبة احتياجات السوق. جاء ذلك من خلال تحويل المدارس المتوسطة التجارية إلى مدارس ثانوية تجارية أكثر تقدمًا، وبدأت هذه الخطوة التاريخية في العام الدراسي 1970/1971 م.

في هذا الإطار، تأسست المدرسة الثانوية التجارية في حارة الطبيشي بالدمام بقيادة المربي الفاضل الأستاذ خالد السلطان، لتكون أول مدرسة من نوعها في المنطقة، حيث تغطي طلاب حاضرة الدمام، وقرى ومدن الجوار. وبدأت المدرسة بأول دفعة مكونة من فصلين دراسيين.

نحن الدفعة الثانية - ثلاث فصول ومزيج من الكفاءات:

تميزت الدفعة الثانية التي درسنا فيها بزيادة عدد الطلاب في هذه المدرسة، حيث شملت ثلاثة فصول دراسية، مما يعكس الإقبال المتزايد على التعليم التجاري. ومن أهم مميزات هذه الدفعة هي إشراك خريجي المدارس المتوسطة التجارية الذين كانت لديهم الرغبة في ترقية مؤهلاتهم إلى شهادة الثانوية التجارية.

أتاحت هذه الميزة الفرصة لأولئك الخريجين من المدارس المتوسطة التجارية للالتحاق بالدراسة وإجراء الامتحانات النهائية جنبًا إلى جنب مع زملائهم الدارسين في الفصول النظامية نهارا. هذه التجربة لم تكن مجرد مرحلة تعليمية بل كانت فرصة لبناء شبكة اجتماعية ومهنية واسعة، حيث تعرف طلاب الدفعة على كفاءات وطنية بارزة تقلدت مناصب قيادية في المؤسسات الحكومية والشركات الخاصة. كان قضاء الوقت في قاعات الامتحانات فرصة للتعارف وبناء الصداقات مع جيل المدارس المتوسطة التجارية.

تظل ذكريات هذه الدفعة رمزًا للنجاح والتعاون بين الأفراد، ونموذجًا يحتذى به للأجيال القادمة التي تبحث عن تحقيق التميز في مجالات الحياة المختلفة.

حنين إلى الماضي وقيم خالدة:

ما يميز هذا الجيل «خريجي الدفعة الثانوية التجارية عام 1974 م، قبل 50 عاما»، والذي ولد في منتصف الخمسينيات، هو التمسك بجماليات الماضي وحبهم للتواصل الحقيقي الذي يضفي دفئًا وصدقًا على العلاقات. فمنذ عام 2010 م، بدأت لقاءاتهم كفكرة بسيطة بين زملاء الدراسة، لكنها سرعان ما تحولت إلى تقليد سنوي يعكس رغبتهم العميقة في استعادة ذكريات الطفولة والشباب، مع الحفاظ على قيم الكرم والأخوة التي شكلت أساس شخصياتهم.

خصائص هذا الجيل المميز:

1. تواصل مباشر لا مثيل له: يفضلون اللقاءات وجهًا لوجه، التي تحمل دفء العلاقات الإنسانية، بعيدًا عن سطحية الشاشات والرسائل النصية.

2. علاقات إنسانية ممتدة: امتدت علاقاتهم إلى مجتمعات خارج القرى والمدن، مما يعكس انفتاحهم وحرصهم على تعزيز الروابط الاجتماعية.

3. قيم متوارثة: يتمسكون بإرث الأجداد من الكرم والأخوة، مما يجعل ذكرياتهم مليئة بالدروس التي يمكن أن تلهم الأجيال القادمة.

4. استخدام حكيم للتكنولوجيا: رغم حبهم للماضي، إلا أنهم استفادوا من الثورة الرقمية لتنظيم لقاءاتهم وتعزيز تواصلهم الاجتماعي.

5. حنين دائم للماضي: ذكرياتهم ليست مجرد صور أو لحظات عابرة، بل قيم تربطهم بالحاضر وتدفعهم للحفاظ على هذا الإرث الجميل.

عقد من اللقاءات… حكايات لا تُنسى:

بدأت رحلة لقاءات المحبة والوفاء في عام 2010 م بفكرة بسيطة جمعت بين أصدقاء الدراسة، لتتحول مع مرور الوقت إلى لقاءات تحمل في طياتها ذكريات لا تنسى. كان اللقاء الأول في منتجع المهندس جاسم قو أحمد بتنظيم الأخوين عبد الله العوامي وحسين رمضان، ومن هناك، انطلقت مسيرة مليئة بالمحبة والوفاء.

رغم توقف هذه اللقاءات مؤقتًا خلال جائحة كورونا، إلا أنها عادت بقوة وأصبحت تقام مرتين في السنة أو أكثر، مما يعكس الشغف الكبير لهذا الجيل بالتواصل المباشر وإحياء الروابط الاجتماعية وهو ما يعكس رغبتهم العميقة في استعادة الذكريات الجميل.

تسلسل اللقاءات عبر الزمن:

1. اللقاء الأول: منتجع المرحوم المهندس جاسم قو أحمد، في عام 2010 م

2. اللقاء الثاني: منزل الأخ عبد الله العوامي في أم الحمام قبل جائحة كورونا بشهور.

3. اللقاء الثالث: منزل الأخ عباس العلق في منطقة التركية، بالقطيف في شهر يناير 2022 م

4. اللقاء الرابع: في مدينة الأوجام وبضيافة الأخ العزيز حسن السنان وذلك بمناسبة زواج ابنه، في شهر أكتوبر 2022 م

5. اللقاء الخامس: منزل الأخ أحمد العقيلي في جزيرة تاروت في شهر يناير 2023 م

6. اللقاء السادس: منزل الأخ علي طحنون في مدينة القديح بمناسبة زواج كريمته في شهر مارس 2023 م

7. اللقاء السابع: مجلس الأخ علي خريدة في سيهات، بالتعاون مع الأخ عبد الله صليل والأخ حسن مدن خليفة في شهر أكتوبر 2023 م

8. اللقاء الثامن: جزيرة تاروت، بضيافة الأخ جاسم الصايغ والأخ علي التركي في شهر فبراير 2024 م

9. اللقاء التاسع: المخيم البري غربي طريق أبو حدرية، بضيافة الأخ مبارك القحطاني والأخ إبراهيم النشمي الدوسري في منطقة بر العرقوبة التابع لمحافظة المدينة البيضاء في شهر مارس 2024 م

10. اللقاء العاشر: مدينة القديح، بضيافة الأخ علي طحنون، الأخ محمد الخويلدي، والأخ عباس توفيق في شهر نوفمبر 2024 م

اللقاء القادم «رقم 11»: سيعقد هذا اللقاء بتوفيق الله في مدينة سيهات بضيافة كل من: الأخ إسماعيل منصور محمد علي، الأخ عيسى سواد، الأخ محمد سعود زين الدين، الأخ جابر آل داوود، والأخ إبراهيم عبدالنبي، في شهر فبراير 2025 م. نسأل الله البلاغ وتسهيل الأمور.

رسالة إلى الأجيال الحالية والمستقبلية:

هذه اللقاءات السنوية ليست مجرد تجمعات عابرة، بل هي نموذج حي يُبرز جمال التواصل الإنساني المباشر. في وقت أصبحت فيه العلاقات تعتمد على الشاشات والتطبيقات الرقمية، تحمل هذه اللقاءات رسالة واضحة: التواصل الحقيقي يبدأ من القلب، ويحتاج إلى الصدق والوفاء.

إلى أجيال اليوم والغد: لا تدعوا التكنولوجيا تُسيطر على إنسانيتكم. استخدموها كأداة لتعزيز العلاقات، وليس كبديل عنها. اللقاءات الحقيقية، والمصافحات الدافئة، والضحكات المشتركة هي ما يبقى في الذاكرة، ويُشكل جزءًا من هويتنا.

قبل الختام - ذكرى من رحلوا عنا:

ونحن نتحدث عن اللقاءات السنوية الممتعة والمفيدة لزملاء الدفعة، لا يسعنا إلا أن نتذكر بكل حب ووفاء بعض زملاءنا الأعزاء الذين رحلوا عن هذه الدنيا إلى بارئهم، تاركين خلفهم ذكريات جميلة ومواقف نبيلة ستظل محفورة في قلوبنا:

1. المرحوم الحاج إبراهيم العلق - تاروت

2. الحاج حبيب الصادق - صفوى

3. الحاج منصور هلال - أم الحمام

4. الحاج علي عبد الله الصفار - تاروت

5. الحاج حسن جليح - القطيف

6. الحاج عبد العزيز الدوسري - الدمام

نسأل الله العلي القدير أن يتغمدهم بواسع رحمته، ويسكنهم الفسيح من جناته، ويلهم ذويهم وأحبابهم الصبر والسلوان. آمين يا رب العالمين. ذكراهم ستبقى حية في قلوبنا، ووجودهم في هذه اللقاءات لن يُنسى، فكل لقاء يعيد إلينا عبق أيامهم الجميلة التي قُضيت بيننا.

وختاما: اللقاء السنوي لخريجي الثانوية التجارية لعام 1974 م هو احتفاء بالذكريات الجميلة، وتجسيد للحنين إلى الماضي، ورسالة ملهمة لجيل المستقبل لإعادة اكتشاف جمال التواصل الإنساني الحقيقي.

ما أجمل أن نرى هذا الجيل يُلهم الأجيال القادمة بأهمية بناء جسور التواصل المباشر، مع الاحتفاظ بروح التقدم التكنولوجي، لتبقى العلاقات الإنسانية هي الأساس في حياتنا.

“وما أجمل أن تكون اللقاءات مرآة للروح، تُعيد عبق الماضي وتُغني الحاضر، لتبقى العلاقات الإنسانية هي الأساس الذي لا يندثر.”