وَهْمُ المعتقدات
من منّا لم يخضع لقوة الوهم؟!
ذلك الشعور الذي يساعد الإنسان على البقاء كما وصفه نيتشه والذي يقدّم المعرفة على أنها حقيقة. أما فرويد فيرى بأنه انتصار الرغبة على الواقع، أي حاجة الإنسان لشيءٍ ما يساعده على التكيف. وقد وصفه ابن سينا بأنه نصف الداء. وتشير كتب علم النفس إلى أنّ وظيفة الوهم تقوم على تشويه الحقيقة. وبالرغم من ذلك تجد مجموعة من الناس تتفق على ممارسة ذلك الوهم على أنه جزء من الواجبات الحياتية. وتصل قوة الوهم إلى قدرته في التحكم بمستوى المشاعر والسلوك. ذلك لأنه أصبح قاعدة أساسية في عملية التفكير التي تقوم على تفاعل مجموعة من المعتقدات مع بعضها البعض.
ويحدث كثيرًا أنّ الإنسان يمنح نفسه فرصة لمراجعة بعض من معتقداته فيجد بأنّ المخطوطة الذهنية التي نشأ عليها سنوات وعلى أثرها مارس سلوكه، يجدها قابلة للتغير. وأحد تفسيرات ذلك التغيير هو أنه كان يعيش حالة من الوهم لفترة طويلة معتقدًا بأنّ تلك المعتقدات صحيحة.
تمنح المعتقدات للإنسان أسلوب حياة، أي إنها تقوم بوظيفتها وهي قدرتها على تشكيل السلوك من جانبين: الجانب المعرفي والجانب الانفعالي. ولا يعني ذلك أنّ جميع المعتقدات صحيحة رغم أدائها للدور. والمقصد من تشكيل السلوك هو إظهاره بصورة تعبّر عن مضمون المعتقد. سواء كان ذلك المعتقد اجتماعيًا أو دينيًا. وهناك شبه اتفاق بأنه لا يوجد معيار أو مقياس يمكن بواسطته تحديد صحة المعتقد أو خطئه.
فعلى سبيل المثال، قد تجد طائفة معينة تتبنّى معتقدًا ما، إلّا أنه مرفوض تمامًا لدى طائفة أخرى. بالرغم من أنّ كلا الطائفتين تنتميان لنفس الدين. بل نفس الطائفة التي تقبل ذلك المعتقد قد تنقسم لمجموعتين، فتجد الأولى تقبل المعتقد بنمط «معيّن» بينما تمارس الطائفة الثانية المعتقد بأسلوب آخر. وقد يحدث كثيرًا أن تجد شخصًا يدافع بضراوة عن معتقد ويستميت لإثباته وبعد فترة من الزمن يذهب لنقضه. يقال دائمًا بأنّ الإنسان يولد كما الصفحة البيضاء. إلّا أنّ تلك الصفحة يعبث بها الآخرون وتبدأ عملية حشوها بالأفكار. وكأنّ هناك شخصًا ما يقوم بثقب جمجمته ويزرع فكرة محددة ثم يقوم بإقفالها بالطين والإسمنت.
إنّ إعطاء الإنسان لنفسه مساحة من التمحيص والتدقيق في صحة معتقداته يعتبر جانبًا من جوانب الصحة النفسية. فالتمسّك ببعض السلوكيات القائمة على معتقدات موروثة، قد يحول بين الإنسان وبين سعادته. وقد تكون هناك مشكلة أكبر من عملية تغيير المعتقد، وهي عملية التفكير في مراجعة المعتقد، فهي بحدّ ذاتها فكرة محرمة. فالوجود الحقيقي للإنسان يبدأ بعد أن يعيد تقييم معتقداته بنفسه. فقد يكتشف أنّ هناك أفكارًا لا تتناسب مع الزمان والمكان الذي يعيش فيه، ثم تبدأ عملية التعديل أو التثبيت.
هناك معتقد يسمح للإنسان بالتحرر من وهم المعتقدات ويشعره بوجوده، وقد يكون المعتقد الأول الذي يجب أن يتعلّمه الإنسان مع أول رضعة حليب من صدر أمه وهو «مبدأ الذاتية» الذي تنصّ عليه المدرسة الوجودية، أي أن يكون الإنسان مشروع نفسه، لا أن يكون مشروع الآخرين. وهذا المبدأ يمنح الإنسان مرونة وقدرة على تغيير معتقداته في أيّ وقت بهدف تحقيق التكيّف النفسي.