آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 2:52 م

الأعمار مجرد أرقام: تأثير الفترة العمرية في القرارات الذكية فيما يتعلق بالخيارات المحفوفة بالمخاطرة

عدنان أحمد الحاجي *

المترجم: عدنان احمد الحاجي

المقالة رقم 254 لسنة 2024

Age is just a number: How age influences intelligent decisions in risky choices

October 11,2024

ونحن نحاول التعامل مع أمور الحياة الصعبة، من الطبيعي أن تتغير الأساليب التي ندير بها أموالنا ونتخذ قراراتنا المالية. أثبتت الأبحاث السابقة أنه عند اتخاذ القرارات المالية، كبار السن «63 سنة وأكبر» في بعض الأحيان هم أكثر استعدادًا على الإقدام على المخاطرة من الشباب «18 - 30 سنة». ولكن ما هي العمليات الإدراكية [1]  التي تكمن وراء هذه التغيرات المتعلقة بالعمر في الاقدام على المخاطرة؟ والتبرير المعروف للتحولات في عملية اتخاذ القرارات هو أنه مع تقدمنا في السن، تتراجع قدراتنا الإدراكية [2] ، مما يجعلنا أقل قدرة في التعامل مع القرارات المالية المحفوفة بالمخاطرة أو المعقدة. ولكن هل الاختلافات في الاقدام على المخاطرة ناجمة بالفعل عن محدودية القدرات العقلية عند كبار السن؟ وماذا تخبرنا هده الاختلافات عن الذكاء؟ دراسة جديدة [3]  بعنوان ”يختار كبار السن استراتيجيات مختلفة ولكن ليست أقل تعقيدًا «أبسط» مما يختاره الشباب فيما يتعلق بالخيارات المحفوفة بالمخاطر“، أجراها فلوريان بولينز Florian Bolenz وثورستن باشور Thorsten Pachur من علوم الذكاء «SCIOI» في برلين ونشرت في دورية PLOS Computational Biology، الدراسة تطعن في وجهة النظر القائلة بأن كبار السن يعتمدون بالضرورة على استراتيجيات أبسط. يوضح البحث أن استراتيجيات اتخاذ القرار التي يستخدمها كبار السن معقدة تمامًا كما هي الاستراتيجيات التي يعتمد عليها الشباب، بالرغم من أن هذه الاستراتيجيات قد تعكس ميولًا ودوافع مختلفة للمخاطرة.

إعادة تأطير الشيخوخة الإدراكية

من خلال نموذج حوسبي جديد يعتمد على اختيار استراتيجية عقلانية للموارد، قامت الدراسة بتحليل بيانات من 122 مشاركًا، موزعين بين شباب «18 - 30 سنة» وكبار السن «63 - 88 سنة»، حيث اتخذوا قرارات في 105 سيناريو محفوف بالمخاطرة. يشرح نموذج اختيار استراتيجية عقلانية الموارد كيف يتخذ الناس قراراتهم وذلك بالموازنة بين مردود «مكاسب» هذه الإستراتيجية والجهد الذهني المطلوب بذله، وتفيد هذه الاستراتيجية إلى أن المشاركين يتأثرون بمدى تقديرهم للسهولة مقابل المردود. حاكى الباحثون حوسبيًا أنماط اتخاذ القرار لفهم الاستراتيجيات التي يستخدمها الناس. وخلافًا لبعض الافتراضات السابقة، تثبت النتائج أن كبار السن لا يلجأون إلى استراتيجيات أبسط. في الواقع، غالبًا ما يستخدم الشباب ما يسمى ب ”الحدس المهني بالحد الأدنى [أي بحساب كافة الاحتمالات المتوفرة لأختيار أفضلها من ناحية المكسب [5] ]“. تركز هذه الإستراتيجية على تقليل الخسائر المحتملة - فالشباب في الأساس يتصرفون بطريقة آمنة ويهدفون إلى تجنب أسوأ النتائج ممكنًا، حتى ولو كان ذلك يعني تفويت مكاسب أعلى.

من ناحية أخرى، وجدت النتائج أن كبار السن يستخدمون في بعض الأحيان ما يسمى ب ”الحدس المهني بالحد الأقصى [المعيار الذي يستخدمه متخذ القرار الذي يختار الخيار الذي يجعل تحقيق أقصى عائد ممكنًا. إذا كان جدول العوائد يحتوي على خسائر لا أرباح، فإن متخذ القرار بالحد الأقصى سيختار الفعل الذي من شأنه أن يجعل الحد الأدنى من الخسارة ممكنا [6] ].“ والذي يعمل في الاتجاه المضاد. بدلاً من التركيز على تجنب الخسائر، الحدس المهني بالحد الأقصى يسعى إلى تعظيم إمكانية تحقيق أفضل نتيجة ممكنة. بمعنى آخر، قد يكون كبار السن أكثر استعدادًا لاستهداف عوائد أعلى بالرغم من المخاطر العالية، اعتمادًا على أهدافهم وظروفهم.

وبعبارة أكثر بساطة، بالرغم من أن الشباب ربما يركزون على تقليل الخسائر، يبدو أن تعظيم المكاسب هو الدافع الأكثر لكبار السن. أو فكر في الأمر بهذه الطريقة: تايلور، البالغة 30 سنة، تفضل فتح مقهى محلي بهدف الحصول على دخل ثابت وتقليل المخاطرة بمواردها المالية. ولكن مورغان، البالغة من العمر 64 عامًا، ستكون أكثر اندفاعًا للاستثمار في شركة تكنولوجية عالمية ناشئة، على أمل تحقيق أقصى قدر من العائدات بالرغم من التقلبات العالية لمثل هذه الشركات في أسواق المال. كلا السيدتين اتخذتا قرارين ذكيين [يعني أن كلًا منهما واثقة بتحقيق النتائج المرجوة]، وتسعيان للحصول على مكاسب أفضل بناءً على ما يهمهما بنحو أكثر. وهذا يدل على أن عملية اتخاذ القرار لدى كبار السن مدفوعة بعوامل دافعية مختلفة، ولكنها لها نفس القدر من التعقيد.

قوة الانفعالات [7] 

ولكن هناك عوامل مؤثرة أخرى: إحدى النتائج الرئيسة للدراسة هي أن الانفعالات تلعب دورًا حاسمًا في عملية اتخاذ القرار. توصل الباحثون إلى هذا الاستنتاج وذلك بدمج العوامل الإدراكية والدافعية في نموذجهم الحوسبي. ووجدوا أن كبار السن، الذين يُقال عمومًا أنهم يشعرون بانفعالات أقل سلبية من نظرائهم الشباب، اختاروا استراتيجيات أقل تجنبًا للمخاطرة في حالات معينة. وأظهر تحليل مفصل أن ما يقرب من 30% من الاختلافات المتعلقة بالعمر في اتخاذ القرارات يمكن عزوها مباشرة إلى هذه التحولات الانفعالية. كشفت هذه الأدلة أن الأمر لا يتعلق بالتدهور الإدراكي، بل بالتغيرات الانفعالية والدافعية، التي تدفع كبار السن إلى التعامل مع المخاطر بشكل مختلف.

خذ كمثال، أحد كبار السن يتخذ قرارًا ما إذا كان سيستثمر في شركة ناشئة لأحد أحفاده. بالرغم من أن الشباب قد يدقق في كل المخاطر المحتملة، فإن كبير السن قد يركز أكثر على العوائد المحتملة ومتعة دعم أفراد أسرته، مما يعكس استراتيجية مدفوعة بالانفعالات الإيجابية والرضا في الأمد الطويل وليس الحرص المادي المطلق.

معرفة أن كبار السن يستخدمون استراتيجيات مختلفة، ولكن ليست أبسط مما يستخدمها الشباب يمكن أن يساعد في تصميم أنظمة دعم أفضل. ومن الممكن أن تساعد هذه المعرفة في توجيه السياسات العامة الرامية إلى تعزيز عملية اتخاذ القرار من قبل كبار السن «مثل المعلومات المتعلقة بالصحة المخصصة لهم، أو أنظمة التخطيط للتقاعد المصممة خصيصًا لهم». ومن خلال التعرف على العوامل الدافعية المؤثرة، يمكننا تطوير تدخلات أكثر فعالية تحترم وتستغل القوة الادراكية لدى كبار السن.

تطوير أبحاث الذكاء

بينت الدراسات السابقة أن اتخاذ القرار في ظل المخاطر هو مظهر مهم من مظاهر الذكاء. تساهم هذه الدراسة في مجال أبحاث الذكاء من خلال تحدي الصورة النمطية القائلة بأن التدهور الادراكي لدى كبار السن يؤدي إلى اتخاذ قرارات أسهل في مثل هذه السيناريوهات. بيد أنه يؤكد على قدرة العمليات الإدراكية على التكيف والصمود، مما يدل على أن كبار السن يستطيعون استخدام استراتيجيات متقدمة، وهم يقومون بذلك بالفعل. ومن خلال إلقاء الضوء على التفاعل بين العوامل الإدراكية والدافعية، توفر الدراسة رؤى جديدة حول طبيعة الذكاء طوال العمر وتعطي الباحثين رؤى قيمة عن طبيعة اتخاذ القرار الذكي.

مصادر من داخل وخارج النص

[1]  العمليات المعرفية cognitive processes هي العمليات العقلية التي يقوم بها الدماغ لمعالجة المعلومات التي يتلقاها من الحواس الخمس. ومن خلال هذه العمليات يتفاعل الدماغ مع المعلومات المحيطة به ويخزنها ويحللها لاتخاذ القرارات ذات العلاقة. العمليات المعرفية تسمى أيضًا الوظائف المعرفية كالإحساس والانتباه كما تشمل الوظائف الأكثر تعقيدًا مثل التفكير والاستدلال. كل نشاط يومي نقوم به يتطلب المعالجة المعرفية. " ترجمناه من نص ورد على هذا العنوان:

https://www.santanderopenacademy.com/en/blog/cognitive-processes.html

[2]  ”القدرات المعرفية cognetive capacity هي القدرات الدماغية الضرورية لاكتساب المعرفة واستخدام المعلومات والتفكير. ولها علاقة بآليات كيف يتعلم الناس ويتذكرون ويحلون مشكلاتهم «مسائلهم» وكيف يولون انتباههم، ولكن ليس لها علاقة بالمعرفة الفعلية. تشمل المهارات أو الوظائف المعرفية مجالات الإدراك الحسي «الحواس» والانتباه والذاكرة والتعلم «الاكتساب» واتخاذ القرارات والقدرات اللغوية.“ ترجمناه من نص ورد على هذا العنوان:

https://en.wikipedia.org/wiki/Cognitive_skill

[4]  https://journals.plos.org/ploscompbiol/article?id=10,1371/journal.pcbi.1012204

[5]  https://ar.wikipedia.org/wiki/ميني_ماكس

[6]  https://web.pdx.edu/~stipakb/download/PA557/DecisionTheory-Overview.pdf

[7]  https://altibbi.com/مصطلحات - طبية/علم - النفس/انفعال

المصدر الرئيس

https://www.scienceofintelligence.de/age-is-just-a-number-how-age-influences-intelligent-decisions-in-risky-choices