من انتصار ترامب إلى هزيمة هاريس: الأسباب المباشرة والخفية وراء النتائج
شهدت الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2024 حدثًا غير مسبوق، حيث واجه الحزب الديمقراطي هزيمة في العديد من الميادين الانتخابية، بما في ذلك الرئاسة، الكونجرس، وحكام الولايات. تتنوع أسباب هذا التحول بين عوامل مباشرة وغير مباشرة، ساهمت جميعها في تعزيز فرص دونالد ترامب للفوز وتراجع حظوظ كامالا هاريس. في هذا المقال، سنسلط الضوء على أسباب نجاح ترامب وأسباب فشل هاريس، بالإضافة إلى عوامل إضافية أثرت على المزاج العام للناخبين.
النجاح الذي حققه دونالد ترامب في انتخابات 2024 يعود إلى مجموعة من الأسباب المباشرة وغير المباشرة، ويمكن اختصارها على النحو التالي:
1. تركز نجاح ترامب بشكل مباشر على قضايا اقتصادية تمس الناخبين كخفض الضرائب وتوفير فرص العمل، بالإضافة إلى سياسات صارمة للأمن والهجرة، مما كسبه دعم القاعدة الشعبية. كما تواصل بفاعلية مع مؤيديه عبر التجمعات الحماسية، واستغل المخاوف بشأن الصراعات الدولية، ليعزز رؤية ”أمريكا أولاً“ ويعزز ولاء مؤيديه.
2. كما أن نجاح ترامب يعود جزئيًا إلى تراجع شعبية بايدن والديمقراطيين، خاصةً بسبب التضخم وارتفاع الأسعار، ما جعله يستقطب الناخبين غير الراضين. الانقسام داخل الحزب الديمقراطي زاد من هذه الفرصة، حيث طالبت بعض التيارات بسياسات إصلاحية مغايرة. من جهة أخرى، شعرت بعض الأقليات بخيبة أمل تجاه بعض سياسات الديمقراطيين، ما زاد من دعمها لترامب. كما لعبت وسائل الإعلام المحافظة دورًا هامًا في تحسين صورته والتركيز على إنجازاته، بالإضافة إلى إرهاق الناخبين من التوتر السياسي، ودفعهم للتفكير في ترامب كبديل للإدارة الحالية.
3. نجح ترامب في استغلال الفرص المتاحة والمخاوف الشعبية، وتعزيز حملته الانتخابية بأسلوب يعكس أولويات فئات كبيرة من المجتمع، مستفيدًا من نقاط الضعف لدى الحزب الديمقراطي لتحقيق الفوز في هذه الانتخابات.
تعود هزيمة كامالا هاريس في الانتخابات الرئاسية لعام 2024 إلى مجموعة من الأسباب المباشرة وغير المباشرة، يمكن تلخيصها كالتالي:
1. تراجع دعم هاريس بشكل مباشر يعود لأدائها الضعيف في المناظرات، وتعرضها لانتقادات بشأن سياساتها في الهجرة والاقتصاد، إضافةً إلى موقفها من الأزمات الدولية مثل دعم إسرائيل. هذه العوامل مجتمعة أثرت سلبًا على ثقة الناخبين بها وقللت من شعبيتها.
2. تراجع دعم هاريس يعود أيضا للانقسامات داخل الحزب، وتأثير التحديات الاقتصادية، وتسليط الإعلام المحافظ الضوء على نقاط ضعفها، إضافة إلى استياء الناخبين من سياسات الإدارة السابقة.
هناك أسباب إضافية عديدة ساهمت في تغيير مزاج الناخب الأمريكي وترجيح كفة الحزب الجمهوري، ومنها مثلا وليس حصرا:
1. ”خيار غير ملتزم“ في الانتخابات التمهيدية الرئاسية الأمريكية لعام 2024: في الانتخابات التمهيدية للرئاسة الأمريكية 2024، لجأ العديد من الناخبين إلى خيار ”غير ملتزم“ للتعبير عن استيائهم من المرشحين الرئيسيين، خاصةً فيما يتعلق بموقف الولايات المتحدة من صراع غزة. أظهرت النتائج تفاوتًا في نسبة اختيار ”غير ملتزم“ حسب الولاية:
- ولاية ميشيغان: 30% من الناخبين الديمقراطيين اختاروا ”غير ملتزم“، مما يعكس استياءً واسعًا. (The Nation)
- ولاية مينيسوتا: 8% من الناخبين لجأوا لهذا الخيار كوسيلة احتجاج (Politico).
- واشنطن: نحو 10% اختاروا ”غير ملتزم“، مما يشير إلى معارضة كبيرة. (Wikipedia)
- ولاية ماريلاند: بلغت نسبة ”غير ملتزم“ 17,9%، دلالة على استياء ملحوظ (Wikipedia).
تشير هذه الأرقام إلى نسبة استياء مرتفعة بين الناخبين في بعض الولايات، حيث رفض عدد كبير من الناخبين دعم المرشحين المتاحين أو سياساتهم. عدم التزام هؤلاء الناخبين ومعظمهم من المؤيدين للحزب الديمقراطي يعتبر انتصارا للسيد ترامب.
2. التحالف مع روبرت ف. كينيدي جونيور: في 23 أغسطس 2024، أعلن روبرت ف. كينيدي جونيور تعليق حملته الرئاسية المستقلة وأعلن دعمه للمرشح الجمهوري دونالد ترامب. وقبل انسحابه ”وحسب فوربز الشرق الأوسط Forbes Middle East“، أظهرت استطلاعات الرأي تباينًا في دعمه؛ حيث أشار استطلاع أجرته جامعة كوينيبياك في 1 نوفمبر 2023 إلى أن كينيدي كان سيحصل على 22% من الأصوات في سباق ثلاثي ضد الرئيس جو بايدن والرئيس السابق دونالد ترامب. هذا التحالف ساهم في تحويل دعم بعض أنصاره إلى ترامب، مما عزز موقفه خاصة في بعض الولايات المتأرجحة. ”The New Yorker“
3. تأثير حزب الخضر: في الانتخابات الرئاسية لعام 2024، حصلت مرشحة الحزب الأخضر جيل شتاين على ما يقرب من 1% من الأصوات الشعبية الوطنية، وهو ما يتماشى مع الأداء التاريخي للحزب، الذي تراوح بين 0,2% و 2,7% في الانتخابات السابقة. في مدينة ديربورن بولاية ميشيغان، التي تضم عددًا كبيرًا من السكان العرب الأمريكيين، حصلت شتاين على نسبة تأييد بلغت 18%، مما يعكس دعمًا محليًا متأثرًا بمخاوف مجتمعية محددة. ”حسب صحيفة وول ستريت جورنال The Wall Street Journal“. إعطاء أصوات هؤلاء الناخبين لحزب الخضر ومعظمهم من المؤيدين للحزب الديمقراطي يعتبر انتصارا للسيد ترامب.
4. الامتناع عن التصويت: في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2024، بلغت نسبة المشاركة حوالي 62% من الناخبين المؤهلين، مما يعني أن 38% امتنعوا عن التصويت، وهي زيادة عن نسبة الامتناع البالغة 33,2% في انتخابات 2020. تتفاوت نسب المشاركة بين الولايات والمناطق، وتتأثر بعوامل مختلفة، مثل الاهتمام بالعملية السياسية، وتسهيلات التصويت، والعوامل الاجتماعية والاقتصادية. ”Reuters“. قسم كبير من هؤلاء الممتنعين عن التصويت من الحزب الديمقراطي، وعدم احتسابهم يصب لصالح المرشح الجمهوري في نسبة الأصوات.
5. تغيير البوصلة إلى الحزب الجمهوري: في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2024، حقق دونالد ترامب زيادة ملحوظة في نسبة الأصوات مقارنة بانتخابات 2020. وفقًا للنتائج الأولية، حصل ترامب على حوالي 51% من الأصوات الشعبية، مقارنة بـ 46,8% في عام 2020، مما يمثل زيادة قدرها 4,2 نقطة مئوية. ”وكالة روتيرز Reuters“. بالإضافة إلى ذلك، شهد ترامب تحسنًا في أدائه في الولايات المتأرجحة. على سبيل المثال، في ولاية ميشيغان، التي خسرها في 2020، تمكن من الفوز بها في 2024 بفارق ضئيل، مما ساهم في تعزيز فرصه في المجمع الانتخابي. ”قناة الجزيرة Al Jazeera“. هذه الزيادات تشير إلى نجاح حملة ترامب في استعادة بعض الولايات التي خسرها سابقًا، وزيادة نسبة تأييده بين الناخبين في مختلف أنحاء البلاد. جزء وازن من هؤلاء هم من المستقلين أو من أنصار الحزب الديمقراطي، لكن أداء الحزب الديمقراطي ساعد في توجيه بوصلتهم للحزب الجمهوري.
كل هذه العوامل، المباشرة وغير المباشرة، ساهمت في تعزيز حظوظ دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية لعام 2024، وإعادة تشكيل المشهد السياسي لصالح الحزب الجمهوري، مما قد يكون له تأثيرات طويلة الأمد على السياسة الأمريكية.