آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 8:37 م

مبادرة مستقبل الاستثمار: ما بين الذكاء الاصطناعي وتحول الطاقة

الدكتور إحسان علي بوحليقة * صحيفة مال الاقتصادية

هل من رابطٍ بين الذكاء الاصطناعي وتحول الطاقة؟ في اليوم الأول من أيام انعقاد مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار، تصدر الذكاء الاصطناعي باعتباره الموجة التي تُحدث التغيير المزعزع حالياً ولسنوات عديدة قادمة، وأتى أعلام صناعة الذكاء الاصطناعي والمستثمرين فيها إلى الرياض ليعرضوا على العالم آفاق تقنيات الذكاء الاصطناعي وفرص الاستثمار الواعدة فيه.

أما قصة الاستثمار الملفتة، التي بينت بالشواهد أن السعودية هي أرض للفرص، فقد أتت من السعودية وعرضها سمو وزير الطاقة على العالم من خلال منصة مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار، وهي قصة تحول الطاقة، فهي قصة سعودية بامتياز، إذ لن تجدها متكاملة الفصول والحبكة في أي مكانٍ آخر، وسردية تبين الخط الزمني لتشييد حاضنة عالمية للطاقة ليس لها مثيل امتدت منذ البدايات فيما بقي توجهها الاستراتيجي يلاحق آفاق المستقبل ويسابقه.

وقصة التحول، بالمنظور الأوسع، التي تعايشها المملكة منذ انطلاق الرؤية تقوم على احداث تحول في هيكل الحكومة، والتنوع الاقتصادي، والتنمية الاجتماعية من خلال مرتكزات ثلاث: وطن طموح واقتصاد مزدهر ومجتمع حيوي. وعند النظر لقطاع الطاقة تحديداً، فالتحول يأخذ في الاعتبار أربعة عناصر: التنوع الاقتصادي، وتوليد قيمة مضافة، وتكيف سلاسل التزويد، وخلق فرص عمل. لكن برنامج السعودية في تحول الطاقة بدأ مبكراً في السبعينيات مع تأسيس منظومة جمع الغاز المصاحب ليستخدم في توليد الكهرباء والتحلية وصناعة البتروكيماويات السلعية كلقيم، بما ساهم في إيجاد مدينتي الجبيل وينبع الصناعيتين والانطلاقة الكبيرة لصناعة البتروكيماويات بتأسيس شركة سابك، التي أصبحت أحد أهم اللاعبين العالمين في مجالها.

والأمر لم يقتصر على جمع الغاز المصاحب واستخدامه كوقود ولقيم، على أهمية ذلك، بل حرصت السعودية على استخدامه بكفاءة من خلال إطلاق برنامج كفاءة الطاقة قبل 12 عاماً من الآن في العام 2012، وتكاملت مرتكزات تحول الطاقة لتشمل تعزيز كفاءة الطاقة، ومزيج الطاقة وإدارة الانبعاثات، معززة بمبادرات المحتوى المحلي وتنمية الموارد البشرية.

ولم يقتصر الأمر على الطاقة من مصادر احفورية، بل شمل المتجددة كذلك، إذ انطلق أول مشروع للطاقة المتجددة في العام 2020 في سكاكا 300 ميغاوات، وفي العام 2024 فإن ما طرح من مشاريع مجموعه 44 جيجاوات، أي ما يوازي 50 بالمائة من السعة المركبة في المملكة المتحدة و90 بالمائة من الطاقة المركبة في السويد و100 بالمائة مما السعة المركبة في سويسرا وأستراليا مجتمعتين.، والمخطط أن ترتفع الطاقة المركبة في المملكة إلى 130 جيجاوات، أي أن تتضاعف نحو ثلاثة أضعاف. والمملكة تحقق ذلك بأقل تكلفة على الاطلاق في مشاريع الطاقة الشمسية والمتولدة من الرياح. والتحول شمل البنية التحتية لقطاع الكهرباء، بترقية المحطات القائمة لتعمل على الغاز، ليصل مجموع السعة في قطاع الكهرباء إلى 110 جيجاوات في العام 2030. والتحول في قطاع الكهرباء يشمل كذلك منظومة النقل والتوزيع.

الكثيرون تحدثون عن الهيدروجين كونه من مصادر الطاقة النظيفة، لكن السعودية حققت نتائج وشحنت الهيدروجين النظيف إلى اليابان والأمونيا النظيفة إلى آسيا وأوربا.

وبالقطع ففي مجال النفط، ليس هناك منافس، فلدى السعودية السعة «12,3 مليون برميل يومياً»، وهذه ستعزز من خلال إضافة 550 ألف برميل يومياً في العام 2025 و600 ألف برميل يومياً في العام 2026، و75 ألف برميل يومياً في العام 2027. والاهتمام لا يستثني الغاز الطبيعي، فحالياً تنتج المملكة 13 مليار قدم مكعب يومياً، ستزيد بمقدار 60 بالمائة في العام 2030.

والقصة لا تنتهي عند هذا الحد، بل تنطوي على طموح لتحويل الخام إلى كيماويات لمضاعفة الطاقة الإنتاجية للكيماويات السلعية بمقدار الضعف وكيماويات المصب بثلاثة أضعاف بحلول العام 2030.

وفيما يتصل بالانبعاثات، فالبيانات تشير إلى أن السعودية تتقدم في مؤشرات إدارة الانبعاثات، وتعمل مع دول العالم للوصول للحياد الكربوني، بما في ذلك حبس واصطياد الكربون، وتطوير سوق للكربون من خلا ثلاث مبادرات، والعمل بشفافية لإدارة الانبعاثات. فضلاً عن أن للمملكة مبادرة الشرق الأوسط الأخضر التي أطبقها سمو ولي العهد لخلق مستقبل أخضر للجميع.

وما ساهم في تعظيم القيمة الاقتصادية لتحول قطاع الطاقة هو برنامج المحتوى المحلي، وقد كان لشركة أرامكو السبق من خلال برنامج اكتفا وكذلك سابك من خلال برنامج نساند وبعد ذلك برنامج بناء لشركة الكهرباء السعودية. ولبرنامج التوطين في قطاع الطاقة مستهدفات محددة، فخط الأساس هو 51 بالمائة هيدروكربون، و58 بالمائة طاقة تقليدية و21 بالمائة طاقة متجددة، والمستهدف هو الوصول 75 بالمائة توطين في كل مكونات الطاقة.

والخاتمة، هو أن جهد تحول الطاقة في السعودية يحكمه إطار متكامل يحكم النهج والتنفيذ، ليوازن بين ثلاثة إعتبارات: أمن الطاقة، امدادات الطاقة وتكلفتها، والاستدامة والعمل المناخ.

كاتب ومستشار اقتصادي، رئيس مركز جواثا الاستشاري لتطوير الأعمال، عضو سابق في مجلس الشورى