آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 7:28 م

تأويل مشاعر الآخر من مظهره

عدنان أحمد الحاجي *

21 ديسمبر 2018

المترجم: عدنان أحمد الحاجي

المقالة 241 لسنة 2024

Interpreting emotions: a matter of confidence

December 21,2018

فأس باحثون من جامعة جنيڤ UNIGE والمستشفى الجامعي في جينيڤ HUG مدى ثقتنا في تأويلاتنا لمشاعر الآخرين، وكيف تعمل تجاربنا السابقة على حرف تلك الثقة.

نحن نلاحظ باستمرار تعبيرات وجوه مَن حولنا التي تعكس مشاعرهم. لكن هل نترجمها بشكل صحيح؟ وهل نثق في حكمنا عليها؟ هذه الثقة أمر ضروري لتجنب سوء الفهم أو حتى المواقف التي يحتمل أن تكون خطرة. وهذا كان السبب الذي وراء الدراسة التي أجراها باحثون من جامعة جنيف «UNIGE» والمستشفى الجامعي في جنيف «HUG» في سويسرا لإختبار مدى تقتنا حي نحكم على مشاعر الآخرين، وما هي مناطق الدماغ المعنية بذلك. هذه النتائج [1]  المنشورة في مجلة Social and Cognitive and Affective Neuroscience - تثبت أن قناعتنا بتأويلاتنالمشاعر الآخرين تنبثق بشكل مباشر من تجاربنا المخزنة في ذاكرتنا. بعبارة أخرى، حياتنا السابقة [أو تجاربنا السابقة] تؤثر في تأويلاتنا... وفي بعض الأحيان تضللنا.

تأتي قراراتنا اليومية بدرجة من الثقة، إلا أن الثقة لا تتماشى دائمًا جنبًا إلى جنب مع دقة القرار. في بعض الأحيان قد نكون مخطئين حتى عندما نكون واثقين تمامًا من أننا اتخذنا القرار الصحيح - على سبيل المثال، في حالة الاستثمار الخاسر في سوق الأسهم. وينطبق نفس الشيء على تفاعلاتنا الاجتماعية: فنحن دائمًا نأول تعبيرات وجوه الذين من حولنا، وثقتنا بتأويلاتنا لهذه المشاعر تعتبر من الأمور البالغة الأهمية. ”خذ حالة ترايڤون مارتين Trayvon Martin في الولايات المتحدة كتجسيد دقيق لهذه الحالة.“ أفاد اندريت بيغو Indrit Bègue، باحث ما بعد الدكتوراه حينئذ في كلية الطب النفسي في جامعة جنيڤ UNIGE وطبيب في قسم الطب النفسي للكبار في قسم الطب النفسي والصحة العقلية في المستشفى الجامعي HUG بأن ”ترايڤون Trayvon مراهقاً من أصول أفريقية يبلغ من العمر 17 عامًا قُتل بالرصاص على يد جورج زيمرمان، بالرغم من كونه غير مسلح. اعتقد زيمرمان أن الشاب“ بدا مشبوهًا، ”واندلعت مشادة بينهما والنتيجة كانت، كما نعرف، جريمة قتل.“ لكن لماذا كان زيمرمان على يقين من أن مارتن كان ”مشبوهًا“ وبالتالي مثل خطرًا بالنسبة له، بالرغم من أن كل ما كان يفعله أنه كان ينتظر أمام منزل أبيه؟ في محاولة للإجابة على هذا النوع من الأسئلة، كان الباحثون في UNIGE وHUG حريصين جدًا على اختبار مستوى ثقتنا في تأويلاتنا لمشاعر الآخرين، واكتشاف مناطق الدماغ التي تُنشط خلال هذه التأويلات.

التعرف على مشاعر الأخرين [2] : الثقة المفرطة خطأ

قرر الباحثون قياس السلوك المتعلق بالثقة بالطلب من 34 مشاركًا بالحكم على وجوه تظهر عليها مشاعر مختلطة من السعادة والغضب، وُضع إطار من شريطين أفقيين بسماكة مختلفة حول كل وجه. بعض الوجوه كانت إما سعيدة أو غاضبة بشكل جلي، في حين البعض الآخر منها كان غامضًا جدًا. كان على المشاركين أولاً وصف ماهية المشاعر التي برزت على كل وجه من الوجوه ال 128 التي عُرضت بشكل عابر جدًا على الشاشة. وكان على المشاركين، بعد ذلك، اختيار أي من الشريطين كان أكثر سماكة. وأخيرًا، بالنسبة لكل قرار اتخذوه، كان على المشاركين أن يشيروا إلى مستوى ثقتهم في قرار اختيارهم على مقياس يتراوح من 1 «غير متأكدً على الإطلاق» إلى 6 «متأكد تمامًا». "أّستخدم الشريطان لتقييم ثقتهم في الرؤية البصرية، التي خضعت للدراسة بشكل عميق. هنا، كانت بمثابة آلية ضبط، كما يقول باتريك فوليوميير Patrik Vuilleumier، البرفسور في قسم العلوم العصبية الأساسية في UNIGE.

نتائج الفحص أدهشت الباحثين، على أقل تقدير. ”اللافت للنظر، متوسط درجة الثقة في عملية التعرف على مشاعر الآخر كانت أعلى «5,88 نقطة» مقارنة بالرؤية البصرية بدون الإطار «4,95 نقطة»، بالرغم من أن المشاركين ارتكبوا أخطاء في التعرف على مشاعر الآخرين بالرؤية البصرية «حيث بلغت إجاباتهم الصحيحة 79٪» أكثر مما ارتكبوه في حالة وجود الإطار ذي الشريطين «حيث بلغت الإجابات الصحيحة 82٪»“! كما يقول اندريت.

في الواقع، التعرف على مشاعر الآخرين المكتسب «من حالة وصفها شخص آخر» ليست عملية سهلة كما هو الحال في الرؤية البصرية المباشرة: قد يكون الأشخاص الذين يحاوروننا هازئين، أو كاذبين أو ممنوعين من إظهار تعابير وجههم [3]  بسبب الأعراف الاجتماعية - إذا كان في حضور أحد مسؤوليهم، على سبيل المثال. يترتب على ذلك أن معايرة ثقتنا في التعرف على مشاعر الآخرين بشكل صحيح أكثر صعوبة في غياب أي تغذية استرجاعية. بالإضافة إلى ذلك، علينا تأويل التعابير بسرعة كبيرة لأنها تعابيرعابرة «تختفي بسرعة». لذلك، نشعر أن أول انطباعاتنا هو الإنطباع الصحيح، ونثق في حكمنا على الوجه الغاضب أو الفم الغاضب. إذا كان هناك تردد في القرار، فإن الثقة تصبح أقل بالنسبة للمشاعر، لأننا نعلم أنه يمكننا بسهولة أن نكون مخطئين وقد نُخطَّأ

الثقة المستندة إلى الذاكرة

أما بالنسبة لمتلازمات الدماغ، فقد درس الباحثون في UNIGE وHUG الآليات العصبية أثناء عملية الثقة هذه من خلال تعرف المشاركين في التجربة على مشاعر آخرين بالتصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي. ”عندما أبدا المشاركون رأيهم في الشريطين، تم تنشيط المنطقة البصرية في الدماغ ومنطقة الانتباه «المنطقة الأمامية في الدماغ». ولكن عند تقييم مدى الثقة في التعرف على مشاعر الآخرين، نُشطت المناطق المرتبطة بذاكرة السيرة الذاتية والذاكرة السياقية [4]  - مثل التلفيف المجاور للحصين - والقشرة الحزامية الخلفية،“ كما يشير إلى ذلك البرفسور فوليوميير. هذا يدل على أن أنظمة الدماغ التي تخزن الذكريات الشخصية والسياقية منخرطة بشكل مباشر في الثقة المتعلقة بالتعرف على مشاعر الآخرين، وأنها تحدد دقة تأويل تعبيرات الوجه ومدى الثقة في ذلك. ”حقيقة أن التجارب السابقة أساسية جدًا لضبط ثقتنا قد تسبب مشكلات في حياتنا اليومية، لأنها يمكن أن تحرف وتضلل حكمنا على هذه التعابير، كما حدث في قضية ترايڤون مارتين Trayvon Martin، حين لم يرَ زيمرمان Zimmerman فقط شاباً قليل الصبر، منتظرًا خارج منزل أبيه، بل رآه أيضًا شابًا أسوداً غاضباً مترصداً أمام المنزل،“ كما يوضح اندريت. ”ولهذا السبب من الأهمية بمكان إعطاء تغذية استرجاعية «تعليق» عن مشاعرنا مباشرة، حتى يتمكن أطفالنا من تأويلها بشكل صحيح.“