السعادة الحقيقية ليست أن تكون سعيداً في كل الأوقات
بقلم لاوري داوثاويت، جامعة سينترال لانكشاير
المترجم: عدنان أحمد الحاجي
المقالة رقم 237 لسنة 2024
True happiness isn’t about being happy all the time
January 10,2018
على مدى العقدين الماضيين، حركة السيكولوجيا الإيجابية نورت الأبحاث النفسية بعلومها عن السعادة والإمكانات البشرية والازدهار. هذه الدراسة تبين بأن باحثي علوم النفس لا ينبغي أن يشتغلوا بدراسة الأمراض النفسية فحسب، بل أيضا عليهم أن يشتغلوا بدراسة ما يجعل الحياة تستحق العيش.
الأب المؤسس للسايكلوجيا الإيجابية، مارتن سيليغمان، يصف السعادة بأنها الممارسة المتواترة للمشاعر الإيجابية [1] ، كالفرح والإثارة والرضا، مضافة إليها مشاعر أكثر عمقاً لها مدلول وهدف. تدل على ذهنية إيجابية في الحاضر ونظرة متفائلة في المستقبل. والأهم من ذلك فقد أشار خبراء السعادة بأن السعادة ليست سمة ثابتة وغير قابلة للتغيير، ولكنها سمة مرنة يمكننا العمل عليها والسعي لتحقيقها في نهاية المطاف.
أدير ورش عمل عن السعادة على مدى السنوات الأربع الماضية مستندة على أدلة من مجال علم النفس. الورش ممتعة وأطلق عليها اسم ”السيدة السعيدة.“ السعي من أجل حياة سعيدة شيء، ولكن أن نسعى لأن نكون سعداء في الأوقات كلها أمر غير واقعي.
وتشير الأبحاث [2] إلى أن المرونة النفسية هي مفتاح لسعادة وعافية أفضل. على سبيل المثال، كوننا منفتحين على تجارب عاطفية ولنا قدرة على تحمل فترات من عدم الراحة يمكن أن يسمح لنا بالتحرك نحو حياة زاخرة وهادفة.
وقد أثبتت الدراسات [3] أن الطريقة التي نستجيب بها لظروف حياتنا لها تأثير في سعادتنا أكبر من تأثير الأحداث نفسها. إن الشعور بالإجهاد النفسي والحزن والقلق في الأمد القصير لا يعني أننا لا نستطيع أن نكون سعداء في المدى الطويل.
من جهة فلسفية هناك مذهبان للشعور بالسعادة: مذهب المتعة ومذهب اليودايومنيا. وجهة نظر مذهب المتعة [4] إنه من أجل أن نعيش حياة سعيدة يجب علينا زيادة المتعة وتجنب الألم [5] . وجهة النظر هذه هي عن إشباع شهوات الإنسان ورغباته، لكنها غالبا ما تكون قصيرة الأجل. وعلى النقيض من ذلك، فإن مذهب اليودايومنيا [6] يأخذ نظرة بعيدة. وهو يدعو إلى أن علينا أن نعيش بشكل حقيقي ومن أجل الخير الأعظم. وينبغي أن نسعى وراء المعنى والإمكانيات التي يمكن الوصول إليها بالطيبة، والعدالة، والأمانة، والشجاعة.
إذا رأينا السعادة بالمعنى الذي يراه مذهب المتعة علينا أن نواصل البحث عن ملذات وتجارب جديدة من أجل ”رفع مستوى“ سعادتنا. وسوف نحاول أيضا الحد من المشاعر غير السارة أو المؤلمة حتى نبقى سعداء. ولكن لو أخذنا بمذهب اليودايمونيا فإننا نسعى جاهدين إلى المعنى، باستخدام نقاط قوتنا للمساهمة في شيء أعظم من أنفسنا. وهذا قد ينطوي على تجارب غير سارة في بعض الأحيان، ولكن غالباً ما يؤدي إلى مستويات أعمق من الفرح والرضا. وعليه فالاستمتاع بحياة سعيدة لا يتمثل في تجنب الأوقات الصعبة. بل أن يكون المرء قادراٌ على مواجهة الشدائد والمحن بطريقة تسمح له أن ينمو من خلال التجربة.
تبين الدراسات أن خوض الشدائد يمكن أن يكون في الواقع جيداً بالنسبة لنا، بناءً على كيف نستجيب لها. تحمُّل الشدائد يمكن أن يجعلنا أكثر مرونة من الناحية النفسية [7] ويؤدي بنا إلى عمل تغيرات في حياتنا، كتغيير وظائفنا أو التعامل مع الصعاب.
وفي دراسة الذين يواجهون صدمات نفسية، يصف الكثيرون تجربتهم كدافع للتغيير والتحول العميقين، مما يؤدي إلى ظاهرة تعرف باسم ”نمو ما بعد الصدمة“ [8]
في كثير من الأحيان عندما يواجه الناس محنة أو مرضاً أو خسارة، يصفون حياتهم بأنها أصبحت أكثر سعادة وهادفة أكثر نتيجة لذلك.
بعكس حالة الإحساس بالسعادة، وهي حالة عابرة، الاستمتاع بحياة أكثر سعادة هو عن النمو عبر إيجاد معنىً. ويتعلق بقبول إنسانيتنا بحلوها ومرها، والاستمتاع بالمشاعر الإيجابية، وتسخير المشاعر المؤلمة من أجل الوصول إلى إمكاناتنا الكاملة.