بول أستر في «كيف أصبحت كاتباً»..
نسي قلمه فأصبح كاتباً
يقول الكاتب الروائي بول أوستر إن بداية حبه للقلم والكتابة هو أنه في صغره كان معجبًا بأحد لاعبي البيسبول، ثم حدث أن قابله فطلب إليه أن يمنحه توقيعه. يذكر أوستر أن اللاعب «ويلي ميس» رحّب بذلك، وطلب منه قلمًا للتوقيع، لكن المشكلة أنه“لم يكن معي قلم حينها، سألت أبي، سألت أصدقاءه، لم يكن لدى أيٍّ منا قلم”، فاعتذر ميس قائلًا: إذا لم يكن لديك قلم فكيف أستطيع منحك توقيعي؟
يضيف أوستر بأنه لم يتمالك نفسه وشرع في البكاء. لكن تلك اللحظة كانت نقطة تحول بالنسبة له حيث أصبح يحمل معه قلمًا أينما ذهب؛”لأنني لا أريد التعرض لموقف مشابه دون أن أكون مستعدًّا له. وتلك كانت البداية؛ بداية كل شيء“.
يحكي لنا أوستر في كتابه «كيف أصبحت كاتبًا»، الذي ترجمه أحمد الطائف وصدر عن دار حياة، كيف كان يشتري الكتب من ماله الخاص ويقرأ رغم أن أبويه لم يكونا يحبان القراءة. ويقول عن بداياته في الكتابة إنه كتب في العشرينات من سنه ما بين ألف وألف وخمسمئة صفحة في محاولة كتابة رواية، دون جدوى، ولم ينشر تلك الصفحات قط لكنه لم ييأس.
يقول إنه تنقل في كتابته ما بين الرواية والشعر لكنه تعلم ألا يتعجل في الكتابة، لدرجة أنه قال إن كتابة صفحة واحدة قد تستغرق منه ثمان ساعات، وإنه يعد كل فقرة“بمنزلة عمل فني صغير قائم بذاته”ص17.
يذكر أيضًا أن مهنة الكتابة“تختلف عن سائر المهن الأخرى في أنه ينبغي عليك أن تبذل أقصى جهدك في سائر الأوقات.. ولا أعتقد أن هناك العديد من المهن التي تتطلب ذلك.. لا يمكن أن تكون كاتبًا أو رسامًا أو موسيقيًّا ما لم تبذل أقصى جهد”، موضحًا أنه يمكن أن يعمل يومًا كاملًا ثم يمزق جميع أوراقه ويرمي بها في سلة المهملات.
ويحاول أوستر أن تكون كتاباته سهلة ومفهومة للناس دون أي تعقيد، لذا فهو يبذل جهدًا كبيرًا فيها. ويصفها بقوله: لطالما اعتقدت أن الكتابة، أو أي نوع آخر من أنواع الفنون والآداب، هو نوع من المرض الذي يصيبك بشكل مبكر جدًّا في حياتك، فيصبح مقدرًا لك أن تمارسه، ولا تغدو حياتك مكتملة ما لم تقم بذلك، على الرغم من أنه عمل صعب ومرهق للغاية ويكلفك الكثير.
ويضيف: كما أعتقد أن هناك عددًا بسيطًا جدًّا من الأشخاص الذين يتمتعون بحياة طويلة بينما يشتغلون في مضمار الأدب... بالنسبة لي، سبب استمراري يعود إلى أني عشقت الكتابة، وأحسست برغبة عارمة في ممارستها بشكل متوسع، أي بشتى ضروبها. حتى إنه قال إنه أمضى سنة كاملة في ترجمة قصائد ونسب ترجمتها إلى إحدى شخصيات قصصه «فيرغسون».
ثم يقول: الأمر الاستثنائي في عملية الكتابة، أيًّا يكن نوعها، شعرًا أو قصة أو غير ذلك، هو أنك في الواقع تفقد ذاتك عبر الانغماس بكليتك في العمل الذي تكتبه.
وعن علاقة الكاتب بالقارئ يقول:“فالكاتب الماهر هو الذي يبني جسور الثقة بينه وبين قارئه، وحينها يستطيع الأخير أن يسافر في هذه الرحلات الطويلة معه. ولكن إن كان يساورك بعض الشك في مصداقية وأصالة الكاتب، فكل المتعة التي تنطوي عليها قراءة العمل الأدبي ستختفي على ما أظن”ص83.
ويتعامل أوستر مع الكتابة بعشق حين يقول:”لطالما اعتقدت أن كل رواية هي بمثابة مقطوعة موسيقية. الأمر يبدو وكأنك تستمع إلى مقطوعة من إبداع بيتهوفن“ص84.
وقبل الختام، هل يعلم القارئ أن لقصة التوقيع على كرة البيسبول بقية؟ وهي أن إحدى الكاتبات التي كانت تسكن قرب ويلي ميس «لاعب البيسبول الشهير آنذاك» زارته مع مجموعة محملة بعدد من كتب بول أوستر، وأخبروه بما حدث عندما لم يوقِّع لذلك الطفل قبل اثنين وخمسين عامًا.”نهض من مكانه وعيناه مغرورقتان بالدموع، وظل يردد: اثنان وخمسون عامًا.. اثنان وخمسون، قبل أن يجلب كرة بيسبول ويمهرها بتوقيعه، ويطلب أن يوصلها الأصدقاء إليَّ وهو ما حصل بالفعل“.