آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 2:20 ص

عبدالله «13»

رضي منصور العسيف *

بقيت صامتاً للحظات ثم قلت لموظف الجوازات: رحلتي عمل وسياحة...

ابتسم الموظف وقال: أهلا وسهلا بك...

تنفست الصعداء...

في الحقيقة كنت خائفا أن يسألني عن العمل وهل عندي موافقة من السفارة أو أي جهة حكومية لها ارتباط بالعمل خارج المملكة...

اتجهت ناحية محطة سيارات الأجرة...

سألت أحدهم هل تعرف Golden Sands 10

قال السائق: نعم... تفضل

ركبت معه حتى وصلنا للسكن كان عبارة عن شقق فندقية... أعطيت الاستقبال جوازي وأوراق الشركة...

توجهت مع العامل ناحية الشقة...

كانت شقة نظيفة وواسعة...

دخلت غرفتي... ألقيت بنفسي على السرير... كنت أرغب أن أنام بعد تعب هذه الرحلة...

وهذا ما حدث بالضبط... فقد أخذني النوم في سبات عميق...

في الشقة التقيت بموظف هندي... تعرفت عليه وسألته بعض الأسئلة عن المواصلات ومقر الشركة والغذاء... كان ذلك في يوم السبت وهو يوم إجازة، ولذلك خرجت عصر ذلك اليوم استكشف المنطقة... «بقالة، مغسلة، مكتبة، مقهى إنترنت...» كان السكن قريباً من برجمان وهو برج تجاري مشهور في تلك الفترة...

في اليوم الثاني استعديت للذهب لمقر الشركة.. كنت برفقة الموظف الهندي... ركبنا الباص المخصص لنقل موظفي الشركة... سألني السائق «سعيد» أين التصريح للدخول لجبل علي؟

أجبته: أنا موظف جديد... ليس معي تصريح... عندي جواز السفر فقط...

أعطيته إياه...

قال: اركب...

وصلنا مقر الشركة توجهت لمكتب الموارد البشرية... أعطيتهم الأوراق... طلبوا مني أن أعبىء نموذج العمل...

صرت أجيب عن الأسئلة.. حتى وصلت للحالة الصحية... هل لديك أمراض مزمنة؟

كتبت نعم... أنا مريض السكري...

سلمت النموذج للموظفة «عربية الجنسية»... نظرت لي وقالت: هل أنت مصاب بالسكري؟!

أجبتها نعم...

قال: هل عندك تقرير طبي؟!

أجبتها: لا ولكن يمكن أن أحضر لكم التقرير عن طريق الفاكس...

أعطتني الموظفة رقم الفاكس...

تواصلت مع أخي وطلبت منه ضرورة إرسال التقرير الطبي...

بعد أيام تم إبلاغي أن التقرير الطبي وصل... ويمكنك متابعة العمل...

بدأت كورس السلامة... الحمد لله اجتزته...

ثم بدأت العمل بنفس مطمئنة... الأمور تسير على ما يرام...

في أحد الأيام دخل علينا موظف سلم عليّ وقال أنت سعودي أليس كذلك... أهلا وسهلا بك... وبدأ يعرف بنفسه... أنا زميلك ميثم من العراق وبالتحديد من البصرة... عرفت أنه تم توظيفك فأحبت أن أتعرف عليك... وإذا احتجت أي خدمة... يمكنك الاتصال بي...

قبل أن يغادر ميثم الغرفة قال: على فكرة.. يوجد اثنين من الزملاء عراقيين آمل أن نلتقي بك في وقت الاستراحة...

بعد سماع هذه الأخبار بدأت أرتاح وأطمئن أكثر..

قلت الحمد لله أن الأمور قد استقرت...

قال عبدالله: دعني أخبرك شيئاً جديداً في هذه الرحلة... لن أحدثك عن تفاصيل العمل... ولن أحدثك عن المجمعات التجارية أو المتنزهات أو الكورنيش... ولكني سآخذك إلى زاوية أخرى ربما لا تخطر على بال القارئ...

قلت: وهذا هو المطلوب في القصة أن نذكر الأحداث المميزة...

قال عبدالله: وصلت دبي بعد منتصف شهر شعبان 1426 هـ، وكما ذكرت سابقاً أنني باشرت العمل في يوم الأحد، قبل نهاية الأسبوع سألت ميثم هل يوجد مسجد قريب من سكني؟

فقال: نعم يوجد مسجد الإمام علي وهو قريب من سكنك ولكني لا أعرفه بالضبط، ولكن يمكن أن تسأل السائق سعيد وسيخبرك عن الموقع.

بعد سؤال السائق سعيد وبعد معرفة موقع المسجد قررت أن أذهب معه للمسجد...

كان المسجد مصمماً تصميماً جميلا مستوحى من التصاميم الفارسية حيث يتميز بالألوان الخارجية والداخلية. وتتميز الواجهة والقبة بالاحتواء على بلاط من الخزف الفارسي الواسع، وخلفية زرقاء مميزة في أنماط الأزهار والخط الإسلامي للقرآن...

دخلنا المسجد وشعرت بالراحة والاطمئنان.. وكانت هذه هي الجمعة الأولى التي أصليها في هذا المسجد...

بعد عشرة أيام بدأ شهر رمضان...

ذهبت مع السائق سعيد لمسجد الإمام علي لصلاة المغرب... وبعد الانتهاء من الصلاة، قلت لسعيد علينا أن نبحث عن مطعم لنتناول فيه وجبة الإفطار... ابتسم سعيد وقال: لا تقلق.. اتبعني وسترى المفاجأة...

ذهبت معه للجانب الآخر من المسجد حتى وصلنا مأتم «حسينية» العدواني...

ابتسم سعيد وقال: هنا سيكون فطورنا يومياً...

دخلت المأتم... ذهلت مما رأيت.. حيث كانت الأطباق جاهزة... أرز مع اللحم... أرز مع الدجاج... وغيرها

قلت لسعيد: لقد أنقذتني من عناء الطبخ أو البحث عن وجبة إفطار...

قال سعيد: هيا يا صديقي تناول فطورك...

في الحقيقة لم أتوقع أن أجد هذه الأماكن في دبي... كنت خائفاً أن ينقضي شهر رمضان وتفوتني الصلاة جماعة...

بقيت مع سعيد حتى منتصف شهر رمضان حتى جاء الخبر «المزعج»...

قلت: أي خبر... ماذا تقصد بالمزعج... هل....

قال عبدالله: لقد أخبرتنا إدارة الشركة بضرورة مغادرة مقر السكن والبحث عن سكن آخر... لم أكن أتوقع أن أقع في هذا المأزق...

قلت: وماذا عملت؟

قال عبدالله: تحدثت مع أحد الزملاء «محمد المرزوقي» عماني الجنسية... فكان نعم الرجل الناصح.. حيث بحث معي عن شقة مناسبة... حتى وجدنا إعلاناً عن شقة في الشارقة... في موقع مناسب لباص الشركة...

اتصلت على صاحب الشقة «مصري»... ونسقت معه موعد اللقاء لكي أتعرف على الشقة... تم تحديد الموعد بالقرب من صحارى مول...

التقينا وذهبنا للشقة...

نظرت للشقة... ماذا أرى؟!... كيف سأعيش في هذا المكان؟!... لم تكن الشقة نظيفة بالمستوى المطلوب... ولكن ماذا أعمل؟

نقلت «أغراضي» بمساعدة زميلي محمد المرزوق للشقة الجديدة...

في اليوم الثاني ذهبت للسوبر ماركت واشتريت مجموعة منظفات وقمت بتنظيف الشقة حتى بدأت كشقة نظيفة تفوح منها رائحة المطهرات... قلت: هكذا يمكنني أن أعيش...

استمر وضعي في الشركة مستقراً وتوثقت علاقاتي مع الموظفين من مختلف الجنسيات...

في أحد الأيام دعاني الزميل ميثم لتناول وجبة الإفطار في شقتهم فهي قريبة من شقتي في الشارقة...

ذهبت إليهم... وهناك اقترحوا عليّ أن أعود للسعودية في فترة الإجازة....

ها هي أيام شهر رمضان ولياليه تتصرم... وليلة غدا هي ليلة القدر ليلة الصفاء والنقاء، ليلة يقوم فيها القلب الصادق بالبكاء، متمنياً الرحمة والمغفرة والعتق من النار، إنها ليلة الشرف، ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة الشرف الجميل.

وكما يقول رسولنا الأكرم ﷺ: ”من أحيا ليلة القدر، حوّل عنه العذاب إلى السنة القابلة“

اتصلت بصديقي «سعيد» وسألته هل يكون هناك إحياء ليلة القدر؟

أجابني نعم.. يوجد إحياء ليلة القدر في مسجد الإمام علي ...

قلت له: سوف أحضر وأذهب معك...

قلت في نفسي مهما كانت الظروف لن أدع هذه الليلة تفوتني... سوف أذهب لدبي مهما كلفني الأمر...

في اليوم الثاني وبعد صلاة المغرب وبعد الإفطار ركبت سيارة النقل العام وتوجهت لدبي قرب المسجد وهناك التقيت بـ «سعيد»...

قال سعيد: لم أتوقع أن تحضر...

قلت: هذه اللية لا يفوتها إلا الخاسر... من يفوت فرصة العتق من النار والفوز بالجنة... من يفوت ليلة الغفران...

في الساعة العاشرة... دخلنا المسجد... كل شيء كان يوحي بالاستعداد لقضاء ليلة الدعاء والقرب من الله... المصاحف... كتب الأدعية وبالخصوص مفاتيح الجنان...

أخذت مصحف وكتاب مفاتيح الجنان... وجلست في مكان مناسب وبدأت أعمال الليلة المقدسة...

كانت هناك شاشة ضخمة تعرض صورة قارئ الدعاء... تأملت في الصورة والصوت... عرفت أنه الرادود الحسيني الشهير الحاج مهدي سهوان... فرحت كثيراً... لأني أعرف هذا الرجل المؤمن وكيف سيأخذنا في رحلة روحانية...

وهذا ما حدث فقد كانت كلمات الدعاء تحلق بك إلى عالم آخر...

بقينا في المسجد حتى الساعة الثالثة صباحاً...

كانت ساعات روحانية يعجز القلم عن وصفها...

ذهبت مع سعيد إلى سكنه في Golden Sands 10 حيث كان الوقت متأخراً ولا يمكنني العودة لشقتي في الشارقة...

فكرت فيما قاله لي الأصدقاء بشأن الإجازة... فبادرت بحجز رحلة إلى الدمام... فقد اشتقت لعائلتي...

نعم مهما كانت الإجازة قصيرة إلا أن ”اللحظات الأسعد في حياتي هي تلك اللحظات القليلة التي أقضيها في المنزل في أحضان عائلتي“

في الجمعة الأخيرة من شهر رمضان قررت أن أصلي في مسجد السيدة فاطمة الزهراء في الشارقة... وصرت أردد هذا المقطع من الدعاء ”اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنْ صِيَامِنَا إِيَّاهُ، فَإِنْ جَعَلْتَهُ فَاجْعَلْنِي‏ مَرْحُوماً وَ لَا تَجْعَلْنِي مَحْرُوماً“.

وفي 29 رمضان صعدت الطائرة متجهاً للدمام..

للقصة بقية

الحلقة القادمة الأخيرة

كاتب وأخصائي تغذية- القطيف