آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 7:09 م

نفايات المواقِف

ليلى الزاهر *

وأيّ موقف ليس مُعْلّمًا؟

ولكن‏ تَبَّتْ الحواس البليدة، وتعِسَ الإدراك المحدود؛ فالمواقف خيرُ مُعلّم؛ وقد تذوب ألواحُ الجليد عن الجبال فتظهر بألوانها الحقيقية.

اخلِ السّاحةَ.

هناك مواقف يجدر بك أن تفهم أصحابها وبناء على ذلك يجدر بك أن تغادرهم.

‏فعندما تعاشر من يخاف الحسدَ عليك أن تُخلي السّاحة؛ لأنّه سرعان ما سوف يُشير لك بأصابع الاتهام لأول إخفاق له أو لأحد أبنائه.

يقول الله تعالى: ﴿وَ اهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً «سورة المزمل: 10»

وحسبك من خيار النّاس ملاذا آمنًا، واجعل لكل من تجالس وقتًا يليق بفكره ويبعدك عن مضْيعة الوقت.

أمّا إذا دخلتَ مستنقعا عميقا في أحد دوائر الجدل فلا تجعل الأمر شاخصًا أمامك كثيرًا.

فمهما يكن حجم إزعاج المواقف لابد أن يتلاشى هذا الموقف من ذاكرتك، اخل ساحة ذهنك وغادر سريعا واجعل ولادتك بعد هذا الموقف مباشرة، وكأنك تعتق فكرك.

ألفُ سلام لمن يمتهن السلام، ولايجادل حرصًا على المودة، وينثر الأزهار أينما حلّ وأقام.

في هذا الكون العظيم لا يوجد أثمن من الإنسان بشتّى أنواع ترابه، وباختلاف طبقاته الاجتماعية، وثقافته المتعددة لذلك شاءت الأقدار أنْ نختلف عن بعضنا البعض لنقع في الامتحانات أينما كنّا.

فما أجهل من يخرجون من عملهم وفوق أكتافهم نفايات المواقف ويحملونها إلى منازلهم ويلقون بها في أحضان أسرتهم!

وما أجهل من يحمل تبِعات النّزاع والخصام لأحضان أسرته!

إنّ بتر المواقف المؤلمة سبيلٌ لوصل كلّ جميل في حياتنا، بل هو أسلوب حياة صحّيّ ومداعبة راقية للنفس. وإذا كان تجاهل الحزن والألم أمرٌ يستطيع الإنسان فعله فهو انتصار عظيم على عَالَم النّفس البشريّة المعقّد الممتلئ بالأسرار فجسد الإنسان هيكل مُدهش مرتبط بالحياة النفسيّة برباط قويّ يقاوم ويعمل ويتعثر بحجارة الطريق التي يضعها أصحاب القلوب القاسيّة فإما يقع في المرض الجسدي أو تصقله التجارب المؤلمة.

لاتجعل الموقف يلفّ كيانك بل قلْ لنفسك سأكون منزعجًا من الواحدة ظهرًا حتى الواحدة وخمس عشرة دقيقةً ثمّ عدْ لحياتك مُجدّدًا، وابعث لنفسك أصنافا متعددة من الرسائل العادلة، غير المألوفة لتضعك مرة أخرى على طريق الهدوء والاسترخاء بعيدًا عن العواصف الهوجاء، قاوم كثيرًا فهناك من يهديك اللّباب وآخر يقدّم لك القشور ولايستوي الأمران.

وأجمل ختام لحديثي ماقاله الكاتب ميخائيل نعيمة:

«سفينة البشريّة ربّانها من غير البشر، لو عرف النّاس ذلك لكفّوا عن الاقتتال في سبيل تسيير السّفينة»

وأيّ قيمة للإنسان إذا لم يبدع في تطهير نفسه من الغطرسة وحبّ الظّهور؟

وأيّ جدوى لنا في هذه الحياة إذا عجزنا عن محاولة تقديم الخير لجميع الناس؟

قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ «الحشر: 18»