آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 11:33 م

قراءة من أجل التشافي

يوسف أحمد الحسن * مجلة اليمامة

سواء قرأت من أجل العلاج أو من أجل المعرفة فأنت تعالج نفسك بطريقة ما؛ فآثار القراءة تمتد لكي تتجاوز ما يبتغيه القارئ إلى آفاق أكثر اتساعًا وربما إلى أمور لم يردها القارئ ولم تخطر له على بال.

ومن التأثيرات الإيجابية للقراءة أنها تخفف من الشعور بالوحدة عمّن يعاني ذلك؛ فأنت حين تقرأ قصة أو رواية أو حتى تجربة شخصية أو سيرة ذاتية فإنك سوف تشعر باندماج كلي أو جزئي مع بعض أحداث أو شخصيات ما تقرأ، حتى قد تشعر بأنك جزء منها حين تكره بعضها وتحب البعض الآخر، أو قد تنحاز مع فئة فيها ضد أخرى، وقتها بالضبط تكون قد أخرجت نفسك من الوحدة لكي تعيش مع هذه الشخصيات وتلك الأحداث. كل هذا بعيدًا عن الألفاظ المنمقة والمجردة القائلة بأن الكتاب صديق لا يخون أو لا يملُّك، إلى حقيقة أنك تجد نفسك متعاطفًا مع ما يجري في كتاب ما حتى وإن كان من نسج الخيال أو غير واقعي لا يمكن أن يتحقق.

وحين يحصل في أحداث الكتاب حدث سار أو محزن فإن التعاطف معه يعني أن القارئ يشارك الآخرين بالفعل سعادتهم وأحزانهم، ما يعني - فيما يعنيه - أنه قد وضع نفسه من حيث لا يقصد معهم في نفس المصير، مخرجًا نفسه من وحدته القاتلة إلى فضاء أكثر رحابة وهو جالس على أريكته لم يتحرك، ربما لساعات!

إن اندماجنا في ما نقرأ قد يقودنا أيضًا إلى تقمص شخصيات إيجابية أو حكيمة أو شجاعة نستفيد من نقاط قوتها حتى تصبح جزءًا من شخصيتنا، مضافًا إليها اللمسة الشخصية والصفات الذاتية لكل قارئ.

إن لحظات النشوة المنبثقة من قراءة بعض الكتب قد تأتي من أحداث سعيدة يفرح بها القارئ وبها يخرج من وحدته أو حالته النفسية السيئة عمومًا، وقد تأتي من أحداث حزينة يشعر بعدها القارئ بارتياح أن ما حصل من أحداث سيئة مجرد خيال، وأنه سعيد بأنه تعلم ذلك الآن ومن ثَمَّ يمكن أن يتجنبه في حال حصوله له شخصيًّا.

فأحداث الكتاب، مهما كانت، تخرجنا من وحدتنا، وكأنها تقول لنا لست وحدك فهناك من هو معك أو من يتعاطف معك أو أنك معه متعاطف أو حتى معارض له. كما قد تمنحنا هذه الأحداث الشجاعة على مواجهة المصاعب والمشكلات، متسلحين إما بأفكارنا الذاتية أو بما تزودنا به من قراءاتنا.

ويبقى أن نقول إن كل ما ذكرناه هنا يتفاوت درجاتٍ من شخص لآخر حسب المستوى المعرفي أو الثقافي للقارئ، وحسب مزاجه الآني، وظروفه المحيطة.