عبدالله «12»
رجعنا للقطيف بعد رحلة ممتعة في سوريا، سألت أمي هل اتصل بي أحدهم خلال فترة سفري؟
أجابتني: لا لم يتصل أحد...
قلت لها: لقد اتصل بي أحدهم من شركة بيكر هيوز وقال لي أن هناك عرضا وظيفيا.. ربما يتصلون بي اليوم أو غدا...
قالت أمي: الحمد لله... الله يرزقك ويسهل أمرك...
فتحت بريدي الإلكتروني علني أجد رسالة أخرى من شركة أخرى... ولكن لم أجد أي رسالة...
بدأت أفكر هل يكون الاتصال صحيح أم أنه مجرد تمثيل من أحد الشباب... لماذا لم يرسلوا لي رسالة على البريد الإلكتروني؟!
كانت فترة الانتظار تأخذني يمنة ويسرى... الأفكار تتصارع في عقلي...
قالت أمي: لا تقلق يا ولدي... إن كانت الوظيفة مكتوبة لك فلن تذهب لغيرك.. إهدأ ولا تقلق...
في اليوم الثالث من عودتي من سوريا... اتصل بي أحدهم... هو نفس الرقم الذي وصلني عندما كنت في سوريا... تهلل وجهي فرحاً... رددت على المتصل... نعم أنا عبدالله... نعم موجود في السعودية... أين أقابلكم... أين موقع الشركة... حسناً غداً سأحضر...
كانت أمي تسمع هذه المحادثة...
عندما انتهيت من المحادثة.. نظرت لأمي وقلت لها... ألم أقل لك... أنهم اتصلوا بي... ها هم مرة أخرى اتصلوا... وغداً سوف أذهب للمقابلة والامتحان... أطلب منك يا أمي أن تدعو لي....
رفعت أمي يديها وقالت: الله يرزقك... الله يرزقك ويسهل أمرك...
في اليوم الثاني توجهت للشركة... وصلت في الموعد المحدد وقابلت المهندس «إيان جمس» وهو نفس المهندس الذي قابلته في المرة السابقة....
تحدثت معه حديثاً عادياً... وكانت هذه هي المقابلة.... ثم سلمني ورقة امتحان وكان سهلا جداً...
عرفت أنهم بحاجة إلى موظف...
دخلت مع المهندس «إيان جمس» الورشة... ثم رجعنا للمكتب وقال: ما رأيك بالوظيفة... هل أنت مستعد...
أجبته: نعم مستعد...
قال: لكن الوظيفة ليست في السعودية...
قلت: ليست في السعودية!! أين ستكون في أمريكا؟!
قال: لا ليست في أمريكا... بل ستكون في دبي...
بقيت صامتاً للحظات... هل أقبلها أم أرفضها....
سألني ما رأيك... سيكون الراتب 8000 ريال مع المواصلات وتذاكر السفر وسكن مؤقت... فما رأيك؟!
نظرت إليه وقلت: دعني أفكر... أمهلني يوماً أو يومين...
قال: فكر جيداً... ربما هذه الفرصة لن تتكرر مستقبلا...
خرجت من الشركة وأنا في السيارة أردد هذا الدعاء ”اَللّهُمَّ اِنَّهُ لَيْسَ لي عِلْمٌ بِمَوْضِعِ رِزْقي وَاِنَّما اَطْلُبُهُ بِخَطَرات تَخْطُرُ عَلى قَلْبي فَاَجُولُ فى طَلَبِهِ الْبُلْدانَ فَاَنَا فيما اَنَا طالِبٌ كَالْحَيْرانِ لا اَدْري اَفى سَهْل هَوُ اَمْ في جَبَل اَمْ في اَرْض اَمْ في سَماء اَمْ في بَرٍّ اَمْ في بَحْر وَعَلى يَدَيْ مَنْ وَمِنْ قِبَلِ مَنْ وَقَدْ عَلِمْتُ اَنَّ عِلْمَهُ عِنْدَكَ وَاَسْبابَهُ بِيَدِكَ وَاَنْتَ الَّذي تَقْسِمُهُ بِلُطْفِكَ وَتُسَبِّبُهُ بِرَحْمَتِكَ“.
وظيفة في دبي... راتب 8000 ريال... هل أقبلها أو أرفضها...
وصلت للبيت... أحببت أن أرتاح قليلا....
في عصر ذلك اليوم... جلست مع عائلتي وأخبرتهم بخبر وظيفة دبي...
قال والداي: وظيفة في دبي!! انتظر قليلا... ربما تكون هناك وظيفة أخرى في السعودية...
قلت: وفي حال لم أحصل على وظيفة ماذا أعمل...
نظرت لأخي الأكبر: سألته ما رأيك؟
قال: دعنا نقرأ العقد بتأمل...
بدأنا نقرأ العرض... فقرة فقرة... حتى استوعبنا عقد العمل...
قال أخي: نصيحتي أن تذهب... هذه فرصة ربما لا تعوض...
قلت: توكلت على الله...
في اليوم الثاني... ذهبت لمقر الشركة ووقعت عرض الوظيفة...
بعد أيام استلمت تذاكر الطيران... عنوان السكن.. وبعض تفاصيل العمل..
بقيت أتأمل مسيرتي أيام الدراسة وكيف تجاوزت تلك المصاعب خصوصاً أيام البحث عن كلية... قلت الحمد لله
قررت أن أقرأ بعض الكلمات التي كنت أحتفظ بها في دفتري.. صرت أقرأ هذه الكلمة الملهمة:
لكلٍّ منا شمسان شمس تشرق كلّ صباح وشمس تشرق في قلبه، ولكن مهما أضاءت شمس الصباح وأشرقت فإنّنا لا نراها إنْ كانت شمس قلوبنا مطفأة، ومهما أضاءت شمس الصباح وأشرقت فإنّنا لا نراها إنْ كنا نضع أكفنا أمام أعيننا ونمنع النور أنْ ينفذ إلى داخلنا ومهما أضاءت شمس الصباح وأشرقت فلن تشرق دنيانا ما دمنا لا نرى جمالها ولا نستمتع به، ومهما أضاءت شمس الصباح وأشرقت فإنّ قلوبنا لن تشرق ما دمنا لا نملأها بالأمل والرضا، ما دمنا لا نجدّدها ولا نجدّد أهدافنا، وإنّ قلوبنا لن تشرق إنْ تركنا ظلام اليأس والإحباط يخيم عليها، ولن نتذوّق الفرح والحياة إن لم نحافظ على شمس قلبنا متوهجة دافئة.
كنت أردد: ”فلننهض ونشرق كما تشرق شمس سمانا التي تملأ الأرض نوراً ودفئاً...“
لقد قررت أن أخوض هذه التجربة...
لن أتراجع... أينما كانت الوظيفة سأتوجه إليها وسأقبل التحدي... ولن أخسر...
رجعت للبيت وأخبرت عائلتي بموعد السفر...
قالت أمي: هل صحيح ستسافر... ألن تنتظر؟!
أجبتها لقد تم تحديد موعد السفر... وها هي تذاكر السفر...
كان يوم 22/9/2005 يوم اجتماع العائلة... تناولنا وجبة الغذاء...
قال أبي: هل أنت جاهز يا عبدالله...
أجبته... نعم... الليلة موعد الرحلة...
قال أبي: الله يوفقك...
بقينا في ذلك اليوم نتذكر أيام المزرعة وأيام الدراسة...
قال أخي أبو جعفر: سنفتقد عبود...
قلت: لن أنقطع عنكم سأتواصل معكم عبر الماسنجر... وسيكون بيننا تواصل...
بعد صلاة العشاء حضر مجموعة من الأصدقاء وجلسنا نتحدث في مواضيع شتى... حتى اقتربت الساعة إلى الثامنة.. ذهبت لوالدتي ودعتها... ورأيت في عينيها القلق... قلت لها: لا تقلقي سأكون بخير وأستطيع أن أعتمد على نفسي... سلمت على والدي وقبلت رأسه.. وركبت السيارة مع إخواني... ويرافقنا مجموعة من الأصدقاء...
توجهنا لمطار الملك فهد بالدمام...
شيئاً فشيئاً اختفت ملامح القطيف... صار الطريق مظلماً...
كنت صامتاً... أراقب الطريق...
قال أخوتي: ما بك صامت... تحدث... قل شيئاً...
قلت: ماذا أقول... هل تسرعت في اتخاذ القرار؟!
قال أخي: لا لم تتسرع... كن متوكلا على الله وستكون أمورك إلى خير...
وصلنا المطار...
بعد أن قطعت تذكرة صعود الطائرة... جلست ساعة مع الشباب...
بعدها قلت: شكراً لكم يا أصدقائي... لن أنسى موقفكم هذا...
التقطنا صورة جماعية... سلمت على الشباب... ثم دخلت لصالة المغادرة الدولية...
توجهت مباشرة لبوابة الصعود للطائرة...
في الساعة الحادية عشرة والنصف أقعلت الطائرة... وشعرت أني بدأت «مشوار التحدي»...
استغرقت الرحلة ساعة ونصف تقريباً لم أستطع النوم خلالها...
وصلنا مطار دبي... رأيت أعداداً كبيرة من المسافرين... إلى أين أتوجه... نظرة للوحات حتى قرأت لوحة... الجوازات... سرت مع مجموعة من المسافرين ناحية الجوازات حتى اتضحت الرؤية وإذا بي أرى طوابير من البشر... شهقت... كيف سأنهي هذه الطوابير... صرت أنظر يمنة ويسرى حتى رأيت لوحة مكتوب عليها «مواطني دول مجلس التعاون» وكان عدد المسافرين 3 أشخاص.. توجهت مسرعاً نحوهم...
وصلت لموظف الجوازات سلمته الجواز... صار يدقق الجواز... ثم قال: عبدالله
أجبته نعم...
قال: رحلة سياحية أم رحلة عمل؟!
ترددت في الإجابة...
للقصة بقية