معًا لمسح الغبار عن الكتب
يعلو الغبار الكتب في بعض المكتبات العامة، وحتى الخاصة، فهل السبب أن بلادنا مغبرة؟ أم أننا لا نمسح الغبار عن الكتب أم أننا لا نقرأ؟
يعد وجود الغبار على أسطح الرفوف وأغلفة الكتب دليلًا على قلة التردد على مكتبة ما، وقلة تناول الكتب فيها؛ لذا فإن أفضل مكان لوضع الكتب هو توزيعها في أنحاء البيت لا في مكان محدد، أو على الأقل جعل غرفة المكتبة في مكان متوسط بين الغرف وليس منزويًا لا تصله الأيدي.
وحين يشعر أحدنا بعدم حاجته إلى كتاب ما فإن أمامه خِيارَين الأول أن يهديه إلى من يعتقد أنه أكثر حاجة منه إليه، أو تبادله مع آخرين يرغبون في ذلك، أو تبادله في بعض مناسبات تبادل الكتب.
هناك من يدلل الكتب؛ فيمسكها بين حين وآخر، يتصفحها، وقد يقرؤها وربما لا يقرؤها، لكنه يتعامل معها على أنها صديق يحب لقاء صديقه، حتى وإن لم تكن له حاجة إليه. وبعضهم يحتضن كتبه ويشمها ويقبلها ويتحدث إليها، وربما طالع بعض التعليقات التي كتبها على بعض صفحاتها. يصطحبها معه إلى مختلف الأماكن، وقد يفاخر بها كما يفاخر آخرون بمنازلهم الفخمة وسياراتهم الفارهة وساعاتهم الثمينة وسائر مقتنياتهم المهمة. وقد يعيرونها لآخرين وربما لا يفعلون ذلك، لكن إعارتها لا يقلل من شأنها وقيمتها أبدًا.
وهناك من يكتب مقالات أو يؤلف كتبًا في كتبه ومكتبته، وهناك من يقول فيها شعرًا ويباهي بها. وكثيرون يخصصون لها غرفة خاصة «أو حتى عدة غرف أو حتى شقة خاصة أو منزلًا كاملًا» شأنها شأن أي فرد من أفراد الأسرة.
لدينا في محافظة الأحساء «مدينة الحليلة» أحد محبي الكتب والمكتبات «حسين الملَّاك»، خصّص لكتبه شقة أرضية خاصة تقارب مساحتها مساحة الشقة التي يسكن فيها وتجاورها، وتتكون من خمس غرف، ولا تكاد تسنح له فرصه بعد انتهاء عمله إلا انتهزها وتوجه إلى مكتبته ليقضي فيها جل وقته لدرجة تثير غيرة زوجته التي كتب عنها: أضحك عندما تخبرني أنها لا تخاف علي من البنات ولكنها تخاف من الكتب!
يبلغ عدد كتب مكتبته ثلاثين ألف كتاب، ولا يبخل بما تحويه على أي باحث في أي مجال، بل يقدم المساعدة في البحث عن أي معلومة أو فكرة لمن يطلبها. مكتبته لا يمكن أن يعلوها غبار؛ بسبب كثرة روادها، من أفراد عائلته أو من زوارها والمستفيدين منها. عندما سألته مرة هل يحتاج إلى كل هذه الكتب، أجاب: ما لا أحتاج إليه منها قد يحتاج إليه غيري من رواد المكتبة. وعلاوة على حبه للكتب فإن الملاّك كتب وطبع سبعة عشر كتابا في مجالات متنوعة.
نحتاج إلى مثل هذه النماذج بالعشرات، إن لم يكن بالمئات، في كل مدينة، حتى يعود الكتاب إلى مجده السابق، والاهتمام به كما كان في العقود السابقة.