آخر تحديث: 31 / 10 / 2024م - 11:58 م

بوح الليل

سوزان آل حمود *

في كل مساء، حين تنسدل ستائر الليل، تتجلى آيات الله في خلقه. فالليل والنهار هما وجهان لعملة واحدة، قال تعالى: ﴿إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب «آل عمران: 190» حيث يُعد النهار زمنًا للعمل والسعي وراء الرزق والمعرفة، بينما يُعتبر الليل ملاذًا للراحة والنوم. إنه الوقت الذي نعود فيه إلى ذواتنا، نستمع إلى همسات قلوبنا، ونستشعر عمق أفكارنا.

الليل ليس مجرد فترة زمنية تمر، بل هو جزء أساسي من النظام الكوني. يتجلى فيه جمال السماء، فتظهر النجوم وكأنها تتلألأ بأسرار الكون. في هذا الظلام الدافئ، يتنفس الكوكب، وتستعيد الكائنات نشاطها. إنه وقت للتأمل والتفكر في عظمة الخالق، حيث يسهل علينا رؤية ما لا نراه في ضوء النهار.

يمتلك البشر أسرارًا سعيدة وأخرى تعيسة، ومعظمهم يختار أن يجعل من الليل ستارًا يخفي وراءه مشاعره. في هذه الساعات الهادئة، تتجلى مشاعر الفرح والحزن، وتطفو الذكريات على السطح. بعض الأشخاص يجدون في الليل فرصة لمواجهة أنفسهم، للتحدث إلى أرواحهم، وللتخلص من الأعباء التي تثقل كاهلهم.

هناك من يعشق البوح في ظلمة الليل. يفتح قلبه، ويتحدث عن أحلامه وآلامه، عن الأماني التي لم تتحقق، والذكريات التي لا تُنسى.

ويأتي الليل ليحكي ما تخفيه قلوب البشر..

قلوب تنام وأخرى يرهقها السهر.. قلوب تبكي وأخرى تشتكي.. قلوب تدمع وتصمت وأخرى تبتسم وتحلم..

قلوب حائرة يعجز عن فهمها البشر..

وكأن هدوء الليل يهوى استفزاز الذكريات،...

البوح في هذه اللحظات يكون نقيًا، خاليًا من ضغوطات الحياة اليومية. إنه بمثابة تنفيس عن المشاعر المكبوتة، حيث يجد الفرد نفسه محاطًا بسكون الليل الذي يمنحه الأمان.

يكون البوح صادقًا عندما يأتي من أعماق القلب. قد يكون عبر الكتابة، أو من خلال حديث مع صديق، أو حتى مناجاة الذات في لحظات الهدوء. تتدفق الكلمات كالنهر، تحمل معها الأحمال الثقيلة، وتحرر الروح من قيودها. وفي هذه العملية، يجد الفرد نفسه أكثر صفاءً.

فائدة البوح

البوح يمكن أن يصفّي النفس. عندما نتحدث عن مشاعرنا، نصبح أكثر وعيًا بها، ما يساعدنا على فهم أنفسنا بشكل أفضل. إنه بمثابة العلاج النفسي الذي يُعيد ترتيب الأفكار ويخفف من حدة التوتر. ومع كل كلمة نقولها، نشعر بأننا نتحرر، وندرك أن هناك دائمًا ضوء في نهاية النفق.

في ختام حديثنا عن بوح الليل، نجد أن هذه اللحظات الهادئة تحمل في طياتها قوة لا يستهان بها. إنها فرصة للتواصل مع الذات، لاسترجاع الذكريات، وللتصالح مع النفس. فالليل، بظلامه وهدوئه، يمنحنا الفرصة للتأمل، وللبوح بما في قلوبنا، لنبني جسورًا من الفهم والسلام الداخلي. لذا، دعونا نحتفل ببوح الليل، ونمنح أنفسنا إذنًا للتعبير عن كل ما يجول في خاطرنا.