تظن أنك أفضل من معظم الناس في قيادة السيارة؟ كيف ساهمت تحيزاتنا النفسية في جعل طرقنا غير آمنة
بقلم جيما بريجز، أستاذ علم النفس المعرفي التطبيقي، الجامعة المفتوحة
5 سبتمبر 2024
المترجم: عدنان أحمد الحاجي
المقالة رقم 202 لسنة 2024
Think you"re better at driving than most? How psychological biases are keeping our roads unsafe
Gemma Briggs، Professor of Applied Cognitive Psychology، The Open University
September 5,2024
لن تضطر أبدًا إلى البحث بجد عن تقارير حديثة عن حوادث الطرق المرورية المميتة، فهي متوفرة. غالبًا ما تركز تقارير وسائل الإعلام على الحاجة إلى تطبيق قوانين مرورية أفضل وإلى تثقيف سائقي السيارات بها.
حملات السلامة لا يمكن أن تنجح إلا إذا اعتقد الناس أن رسائل السلامة تخصهم وتعنيهم وإذا قرروا تغيير سلوك قيادتهم لسياراتهم. لكن الدراسات النفسية أثبتت أن الكثير من الناس لديهم ثقة مفرطة [1] في قدراتهم على قيادة السيارات ويعتقدون أنه من ”الطبيعي“ أن بمارس البعض القيادة المتهورة وخرق قوانين المرور أثناء القيادة.
عدد من قتل أو أصيب بجروح خطيرة على الطرق في المملكة المتحدة ظل ثابتًا كما هو إلى حد ما منذ عام 2012. حيث يقتل خمسة أشخاص ويصاب حوالي 80 بجروح خطيرة يوميًا [2] . تصور مدى ما يصل اليه مستوي احتجاج وغضب الناس لو وصل معدل جرائم القتل غير المرورية إلى هذا المستوى. يبدو أن هناك مستوىً من القبول الاجتماعي ب حتمية الوفاة من حوادث المرور على الطرق مما يفاقم من توجه السائقين إلى ”خرق القوانين المرورية“ المقبولة اجتماعيًا أثناء القيادة.
يصف الباحثون نزعة الناس إلى جعل ممارسات القيادة الخطرة المتهورة ممارسات طبيعية على المستوى المجتمعي وقبولهاعلى أنها قيادة معيارية للسيارات [3] motonormativity [هذا المصطلح المستخدم لوصف التحيز للقيادة المتهورة للسيارات على أنها قيادة معيارية مقبولة عند المجتمع، والتي عادةً لا تكون مقبولة عندهم لو حدثت في جوانب أخرى من الحياة [4,5]]. يعد هذا تحيزًا ضمنيًا «في اللاوعي» حيث يكون الناس أكثر تقبلاً للمخاطر التي لها علاقة بالقيادة مقارنة بمخاطر الأنشطة والفعاليات الأخرى. وجدت دراسة [5] أجريت في المملكة المتحدة عام 2023 أن 61% من الناس وافقوا على أن المخاطر هي ”جانب طبيعي من قيادة السيارات“ مقارنة ب 31% فقط ممن وافق على العبارة بعد أن غُيرت كلمة ”قيادة“ إلى ”عمل“.
اعتبار المخاطر المتعلقة بالقيادة مخاطر طبيعية يفاقم من سلوكيات مخالفة قوانين المرور. تبين إحصائيات حكومة المملكة المتحدة لعام 2022 أن 50٪ من سائقي السيارات تجاوزوا الحد الأقصى للسرعة «30 ميلاً في الساعة أي حوالي 50 كم في الساعة» على عينة من الطرق [6] . أفاد التقرير السنوي لعام 2023 عن السيارات الصادر عن مجموعة الأعطال على الطرق RAC في عام 2023 بأن 25% من السائقين اعترفوا باستخدام الهاتف المحمول بشكل منتظم وغير قانوني أثناء القيادة.
افتراض أن هذه الحوادث ترجع إلى عدم معرفة السائقين بمخاطر مثل هذا السلوك، لكن التقرير أفاد أيضًا بأن 95% من السائقين اتفقوا على أن الذين استخدموا الهواتف المحمولة أثناء القيادة يعرضون حياة الآخرين للخطر.
مدى براعتك في القيادة قذفا يعني شيئًا إذا كنت ممن يستخدمون هواتفهم المحمولة أثناء القيادة
قد يفسر التحيز لـ القيادة المتهورة للسيارات على أنها قيادة معيارية، والتي من شأنها أن تؤدي إلى قبول المجتمع بالمخاطر والأضرار الناجمة عن حوادث السيارات التي لا يقبلوها لو حدثت في جوانب أخرى من الحياة سبب شعور بعض الناس بأن التدابير الجديدة للسلامة على الطرق هي في الواقع محاولة جني مبالغ مالية من الناس «عن طريق تسجيل مخالفات مرورية ضد من يخترق قوانين المرور»، وليس لها علاقة بسلامتهم من الحوادث. الحد الأقصى للسرعة المبدئي البالغ 20 ميلاً في الساعة «حوالي 32 كم في الساعة» والذي اقترح في ويلز في عام 2023 تمت معارضته بشكل واسع.
ويأتي هذا بالرغم من القرائن الواردة على أن الحد الأقصى للسرعة الجديد قد أدى إلى تحسين السلامة المرورية [7] ، حيث انخفض عدد الحوادث المسجلة على هذه الطرق بنسبة 17٪ منذ تنفيذ التغيير. تنفيذ قوانين حزام الأمان في عام 1983 أثار في البداية معارضة مماثلة.
تؤثر هذه الأنواع من التحيزات أيضًا في أراء السائقين وسلوكياتهم، بما في ذلك ميل معظم السائقين إلى اعتبار أنفسهم أنهم يملكون مهارات قيادة أعلى من المتوسط [8] . ثقة السائقين المتضخمة بأنفسهم هذه مدَّعاة ولا ترتبط بالضرورة بمهارات أو خبرة قيادة مرتفعة المستوى [9] ، يظهر هذا التحيز لتعزيز الذات [الشعور بالرضا عن النفس والمحافظة على تقدير الذات [10] ] حتى لدى السائقين المبتدئين للتو في قيادة السيارات.
كما يقلل معظم السائقين من فرص تعرضهم لحوادث مرورية [11] ، وذلك بسبب اعتقادهم بأنهم قد اكتسبوا مستوىً مرتفع من مهارات القيادة. وفي كل مرة يخالف السائق قانون المرور دون أي عواقب أو تبعات واضحة، فإنه بذلك يؤكد وجهة نظره بأن مهارة قيادته للسيارات أصبحت فوق المتوسط وأن قوانين المرور يمكن خرقها ”بأمان أو بلا عواقب“. يُعرف هذا بالتحيز التأكيدي [حيث يعتبر ذلك دليل آخر يعزز وجهة نظره الأولى] [12] .
هذه التحيزات تساعد في تبرير سبب دعم سائقي السيارات بقوة قوانين المرور، على الرغم من خرقهم بأنفسهم هذه القوانين [13] . وذلك لأنهم يعتقدون أن هذه القوانين يجب أن تطبق على السائقين الآخرين المبتدئين الأقل مهارة في قيادة السيارات. المستوى الضعيف لقيادة سائقي السيارات الآخرين والسائقين الآخرين الذين يرتكبون مخالفات مرورية باستمرار يُصنفون على أنهم مصدر قلق للسائقين في المملكة المتحدة، بالرغم من أن نتائج الأبحاث تثبت أن الذين يفتقرون إلى الوعي الذاتي بشأن قيادتهم هم من تكون مهاراتهم في القيادة ضعيفة.
الجمع بين هذه التحيزات يتركنا في موقف صعب. هناك معدلات غير مقبولة من الوفيات من جراء الحوادث المرورية على الطرق والأضرار الناجمة عن السرعة المفرطة وتشتت الانتباه والمشكلات الناجمة عن تعاطي الكحول والمخدرات. لكن معظم السائقين لا يعتقدون أن سلوكهم جزء من المشكلة. ويتفاقم هذا الأمر بما أثبتته الأبحاث [14] التي بيَّنت أن السائقين الذين يسرعون أو يستخدمون هواتفهم غالبًا لا يدركون مدى ضعف أدائهم في قيادة السيارات [15] .
كيف يمكننا تغيير سلوك السائق؟
الأساليب التقليدية التي تهدف إلى تغيير السلوك يمكن أن تؤدي في الواقع إلى تعزيز تحيزات السائقين. حملات التوعية بالسلامة التي تنشر الصور ومقاطع فيديو [16] لحوادث السائقين الآخرين لإثارة صدمة نفسية عندهم أو لإثارة شعور خاص في أنفسهم كالخوف، تفتقر إلى التأثير لأن العديد من السائقين لا يصدقون أن ذلك سيحدث لهم. الحملات التوعوية التي تهدف إلى فضح السائقين لحملهم على الامتثال للقانون «على سبيل المثال، ”سوف يعبر أصدقاؤك عن استيائهم من تجاوزكم حد السرعة“» لا تنجح حين تصبح المخالفات المرورية طبيعية وأنها ”ليست مخالفة حقيقية“ لأن ”الكل يرتكبها“.
عناوين اخبارية مثل ”مقتل رجل بشاحنة حينما كان يقطع الطريق السريع [17] “ تبعد السائق عن المساءلة وتدعم فكرة أن الحوادث المرورية أمر حتمي. وبالمثل، فإن استخدام كلمة ”حادث“ لوصف الحوادث يشير إلى أنه لا يمكن تجنبه. وفي الواقع، فإن السرعة، والقيادة تحت تأثير الكحول أو المخدرات [أو النوم]، واستخدام الهاتف المحمول وعدم ارتداء حزام الأمان - وكلها أمور يمكن تجنبها - هي أسباب رئيسة لوفيات الحوادث المرورية [18] .
نحن بحاجة إلى التوازن بين التثقيف والتشريع والتنفيذ لتغيير السلوك [19] .
يمكن للحملات التوعوية أن تعالج بشكل مباشر [20] تحيز تعزيز الذات دون المساس بأنا السائق، وذلك من خلال إخبار الناس أنه حتى السائقين الماهرين قد يتعرضون أو يرتكبون حوادث مرورية.
التغييرات المبنية على الأدلة العلمية في القوانين والتشريعات، مثل تلك التي ترفض فكرة أن أضرار حوادث المرور لا مفر منها، يمكن أن تحد بشكل كبير من الوفيات والإصابات بسبب حوادث المرور.