مت فارغاً
هل استوقفك هذا العنوان؟!
عن نفسي، سمعت بهذا العنوان كثيراً جداً وبعدة صيغ وكان يمر عليَّ مرور الكرام ولكن في آخر مرة سمعته اختلف الحال وكأني أسمعه لأول مرة. استوقفني طويلاً وأخذت أتأمله وأفكر فيه كثيراً وسألت نفسي مرات عديدة وفي فترات متباعدة:
هل أريد أن أموت فارغاً، أم.....؟!
آخر مرة سمعته من خلال مقطع فيديو أرسله لي ابن عمتي أبو علوي، السيد شرف السعيدي، وكان الفيديو يحكي هذه القصة:
خلال أحد الاجتماعات المهمة لرجال الأعمال، سأل مديراً أمريكياً الحضور قائلاً:
ما هو أغنى مكان في العالم؟
فأجابه أحدهم قائلاً: بلاد الخليج الغنية بالنفط.
وأضاف آخر: مناجم الألماس بأفريقيا.
وآخر: اليابان بلد التطور التكنولوجيا.
سكت المدير لوهلة وعقب قائلاً:
كل اجاباتكم منطقية ولكنها غير صحيحة؟!
تفاجأ الحضور وعم السكوت…….
الآن عزيزي القارئ، قبل أن تكمل القراءة، أجب عن السؤال:
في رأيك، ما هو أغنى مكان في العالم؟
فكر مليئاً. ثم دَوِّنْ اجابتك على ورقة.
أكمل المدير قائلاً أغنى مكان في العالم هو: ”المقبرة“
عزيزي القارئ، احضر قلم ودفتر وكتب:
- الأفكار التي في ذهنك ولم يسمع بها أحد.
- المعلومات التي في جعبتك ولم تنقلها لأحد
- المهارات التي تمتلكها ولم تعلمها لأحد
- الخبرات التي حصلت عليها ولم ينتفع بها أحد غيرك
عزيزي، ”مت فارغاً“
ولا تكن مثل الملايين من البشر الذين جعلوا ”المقبرة“ أغنى مكان في العالم، لأنهم رحلوا إليها وهم يحملون الكثير من الأفكار الرائعة والمعلومات والمهارات والخبرات القيِّمة التي لم تخرج إلى النور ولم يستفد منها أحد سوى ”المقبرة“ التي دفنوا فيها.
إجابة المدير هي التي ألهمت تود هنري لكتابة كتابه الرائع: ”مت فارغاً“
من العبارات التي وردت في الكتاب:
”لا تذهب لقبرك وأنت تحمل في داخلك أفضل ما لديك، اختر دائماً أن تموت فارغاً“
بعد أن استمعت لهذا الفيديو تذكرت أيضاً سؤال جميل ومثير للتفكير أثاره المتحدث والمحفز العالمي "لس برون في إحدى لقاءاته التي كانت بعنوان:
”عيش ملياناً ومت فارغاً“
والسؤال التي أثاره لس هو:
”لو أنك مت اليوم، ما هي الأحلام والأفكار والمواهب والقدرات القيادية التي ستموت معك؟“
استماعي لهذه العبارات، جعلني أفكر ملياً في السؤال التالي:
ماذا عليَّ أن أعمل لكي أموت فارغاً؟!
وكانت الفكرة الملحة التي استمرت ترادوني كلما سألت نفسي هذا السؤال هي:
”أوصل الرسالة لغيرك فمعظمهم يملكون أحلاماً وأفكاراً ومواهب وقدرات وخبرات وطموحات كبيرة جداً“ أكثر بكثير وأكبر بكبير مما تملكه أنت فلربما تحمسوا وتحفزوا وألهموا فتكون قد أحدثت تغييراً ولو بسيطاً في حياة إنسان.
وما دفعني وحفزني أكثر هو قوله تعال:
﴿لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً﴾، النساء 114
وهذه العبارات المروية عن أمير المؤمنين عليٍ في نهج البلاغة:
”مَنْ أَيْقَنَ بِالْخَلَفِ جَادَ بِالْعَطِيَّةِ.“
و”افْعَلُوا الْخَيْرَ وَلَا تَحْقِرُوا مِنْهُ شَيْئاً. فَإِنَّ صَغِيرَهُ كَبِيرٌ وَقَلِيلَهُ كَثِيرٌ وَلَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ إِنَّ أَحَداً أَوْلَى بِفِعْلِ الْخَيْرِ مِنِّي فَيَكُونَ وَاللَّهِ كَذَلِكَ إِنَّ لِلْخَيْرِ وَالشَّرِّ أَهْلًا فَمَهْمَا تَرَكْتُمُوهُ مِنْهُمَا كَفَاكُمُوهُ أَهْلُهُ.“
فاعمل الخير قارئي الغالي و”مت فارغاً“ بعد إيصال رسالتك في هذه الدنيا
فكل منا لديه رسالة في هذه الحياة. فقرر يا عزيزي من الآن أن:
”تعيش ملياناً وموت فارغاً“
عيش ملياناً باستثمار كل أوقاتك في الأعمال الخيِّرة ولكن مُتْ فارغاً بعد أن تعطي كل ما عندك للغير لينتفعوا بها هم وينفعوا بها غيرهم!