من سلبيات القراءة الرقمية
لا أحد ينكر إيجابيات القراءة الرقمية وما تعنيه وتتضمنه من كم هائل من المعلومات بين يدي طالبها وبأقل جهد ممكن، لكن هذه الإيجابيات قد تنقلب إلى سلبيات من حيث قد لا يشعر البعض.
فحين يبدأ القارئ القراءة على جهاز إلكتروني يعلم أن أمامه جهازًا ذا إمكانات هائلة، فهو ليس مجرد كتاب ورقي يقرؤه، بل أمور أكثر بكثير؛ فهناك عشرات أو مئات الألعاب، وآلاف المواقع والمصادر المترابطة والمتتالية التي لا تحتاج إلا إلى نقرات زر بسيطة كي يصل إليها المتصفح. وحينها يتحول هذا الكم الهائل من المعلومات من قيمة إيجابية إلى سلبية؛ حيث يدفع ذلك القارئ إلى زيادة سرعة القراءة وتمرير عينيه بسرعة أمام الشاشة؛ رغبة في إنهاء المادة، ولأنه يعلم أن أمامه صفحات كثيرة لا تكاد تنتهي. أي إن الشعور بوفرة وكثرة المعلومات بين أيدينا يزيد من سرعتنا في القراءة رغبة في الاستزادة أكثر.
وللمقارنة فإننا مثلًا حينما نقرأ كتابًا ورقيًّا «رواية كانت أو كتابًا عامًّا» وتمر علينا معلومة جديدة لا نعرف تفاصيلها فقد نكتفي بما هو موجود في الكتاب، وربما نفهم بعض تفاصيلها من سياقات الجمل والصفحات التالية، أو قد لا نعرفها، وهو أمر ليس بالأهمية القصوى لكونه ليس في صلب الموضوع الذي نقرؤه. لكننا في القراءة الإلكترونية أمام إغراء أن نعرف تلك المعلومة في الحال؛ ومن ثَم نفتح متصفحًا جديدًا ونبحث عن تلك المعلومة ونقرأ عنها، وهي بدورها تجرنا إلى معلومة أخرى جديدة، ثم أخرى بعدها. وهذا الأمر قد يتسبب للقارئ بالخروج من الموضوع الأساسي الذي يقرأ فيه إلى موضوع آخر ربما يكون بعيدًا جدًّا عن موضوع الكتاب الذي هو بصدده. هنا بالتحديد يبدأ تركيز القارئ بالضعف متقافزًا من نقطة إلى أخرى دون تركيز، فيما يسمى بذاكرة السمك قصيرة الأمد. كل ذلك يحصل دون أن نعطي أنفسنا فرصة للتفكير فيما نقرأ أو تحليله؛ لأن المخزون كبير، وهو أكبر من قدرتنا على التحليل والتفكير، ولا وقت لذلك.
كما أن القراءة الإلكترونية تستنزف طاقة أكبر من القارئ، وذلك لعدة أسباب، منها كثرة الروابط في نصوصها، وطبيعة الشاشة والضوء المنبعث منها، وأشكال الصفحات المتنوعة وألوانها، وربما حتى بعض الرموز أو الأشكال المتحركة، وحتى الفيديوهات المدمجة في صفحاتها. كل هذه الأمور تفرض جهدًا إضافيًّا على القارئ ليس موجودًا أبدًا عند قارئ الكتاب الورقي، وهو ما يؤدي إلى الإنهاك الذهني، ومن ثم البدني، وبالنتيجة ضعف القدرة على التركيز. هذا علاوة على أن الجاذبية الكبيرة للحاسب أو الجوال تشجع على مزيد من الالتصاق بالمقاعد والبقاء في حالة جلوس مددًا طويلة، ما ينعكس بالضرورة سلبًا على أعضاء الجسم الذي تنعشه الحركة وتبقيه في حالة صحية أفضل.