آخر تحديث: 4 / 12 / 2024م - 10:12 م

أنين الرمز

محمد العلي * مجلة اليمامة

الرمز هو التعبير بشيء عن شيء آخر، جمالا أو قبحا، حبا أو بغضا. وحين نقرأ الشعر العربي، قديما وحديثا نجد قافلة من الرموز يتعذر حصرها؛ لأن كل شاعر «في رأسه نار» يصنع رموزه الخاصة. ولكل من التشبيه والترميز وجه شبه، ولكن وجه الشبه في التشبيه يكون حسيا موضوعيا، أما في الترميز فيكون ذاتيا، يوجده المتكلم، فالحمامة وغصن الزيتون لا علاقة لهما بالسلام، بل العلاقة صنعا الإنسان، وكذلك الهلال والصليب الأحمران لا علاقة لهما بالإغاثة، وهكذا في سائر الرموز.

يحتاج العثور على معنى الرمز  أحيانا  إلى الغوص لاستخراجه، فقد يكون مصدره أسطورة طاعنة في القِدَم كما في أسطورة الحمامة وغصن الزيتون؛ أو يكون الغرابة؛ لذا شنّ النقاد القدماء حربا عوانا على أبي تمام؛ لأنه جعل للأيم ظهرا، وللملام ماء، وصب ماء على الزمن «ومن جهل شيئا أنكره»

لم يبدأ هذا المقال ليتكلم عن الفرق بين وجه الشبه في الترميز وبينه في التشبيه، بل دفعه القول الغاضب للشاعر الأبنودي: «ملعون أبوها الحمامة أم غصن زيتون» فقد رأيت دموع الحمامة، وسمعت أنين غصن الزيتون، فراودتني الكتابة عن نفسها. لا يحس بالشرر المتناثر من قول الأبنودي إلا من يتذكر تلك «الكلمات التي انقرضت في لسان العرب» كما يقول درويش، أما الذي نسيها، كما نسيها القاموس، فسوف يفرش له الليل جناحيه، ويحمله إلى حدائق الأحلام؛ ليختار من أغصان أشجارها ما رواه أبو العلاء في «رسالة الغفران» حيث تتحد كل الأماني في أمنية واحدة، حين يجد في أغصان هذه الأشجار «عُرُبا أترابا» يقابلنه بالتهليل، ويفتحن له كل الأبواب ليرتع فيما لذ وطاب.

«أبكت تلكم الحمامة أم غنت /

على فرع غصنها المياد»

أيها القديس: لقد انتهى غناء الحمامة، وغلب الأنين على الهديل. أجيبك بهذا، وإن كان قصدك من الاستفهام شيئا آخر. أما الأبنودي فقد لعن الحمامة أم غصن زيتون؛ لأنها غنت من يد طرف واحد، أما الطرف الآخر فكان السيف في يده يقطر دما، وينادي هل من مزيد؟ وكنا أنا وجيلي نتميز غيظا، حين نرى القائد المغوار ياسر عرفات يلهج بما سماه «سلام الشجعان» محاولا قلب المسلمات وأن ما أخذ بالقوة يمكن أن يسترد بالمحسنات البديعية. أما أنا فسأردد أبدا «ملعون أبوها الحمامة أم غصن زيتون.

كاتب وأديب