أربعة أشياء متعلقة بالصحة النفسية كان اليونانيون والرومان القدماء يمارسونها بشكل دقيق وصحيح
بقلم قسطنطين بانيجيريس، زميل ما بعد الدكتوراه وباحث في العصور القديمة اليونانية والرومانية، جامعة ملبورن
18 أغسطس 2024
المترجم: عدنان أحمد الحاجي
المقالة رقم 185 لسنة 2024
4 things ancient Greeks and Romans got right about mental health
Konstantine Panegyres، McKenzie Postdoctoral Fellow، researching Greco-Roman antiquity، The University of Melbourne
August 18,2024
وفقِا لمنظمة الصحة العالمية، حوالي 280 مليون شخص [1] مصاب بالاكتئاب على الصعيد العالمي، وحوالي مليار شخص [2] لديهم مشكلات في نوع من حالات الصحة العقلية «الصحة النفسية» [8 - 3].
الذين عاشوا في العالم القديم كانوا يعانون أيضًا من مشكلات في الصحة العقلية. إذن كيف تعاملوا مع هذه المشكلات؟
وكما سنرى، فإن بعض أفكارهم فيما يتعلق بالصحة العقلية لا تزال ذات قيمة ونفع حتى في أيامنا هذه، على الرغم من أننا قد نشكك في بعض الطرق التي كان القدماء يمارسونها
1. حالتنا العقلية [9] مهمة
مشكلات الصحة العقلية «النفسية» ك الاكتئاب كانت مألوفة لدى الناس في العالم القديم. ويبدو أن هوميروس، الشاعر المشهور بالملحمتين الإلياذة والأوديسة والذي عاش في حوالي القرن الثامن قبل الميلاد «10»، قد توفي بعد أن فقد وعيه بسبب إصابته بالاكتئاب.
بالفعل في أواخر القرن الخامس قبل الميلاد، أدرك الأطباء اليونانيون القدماء أن صحتنا تعتمد جزئيًا على حالتنا العقلية «النفسية».
في كتاب الأوبئة، وهو نص طبي كتب في حوالي 400 قبل الميلاد، كتب طبيب مجهول أن عاداتنا المتعلقة بتفكيرنا «وكذلك نمط حياتنا، وملابسنا وسكننا، ونشاطنا البدني، وممارساتنا للعلاقات الحميمية» هي محددات رئيسة لصحتنا.
كان هوميروس، الشاعر اليوناني القديم، مصابًا بالاكتئاب.
2. مشكلات الصحة العقلية يمكن أن تجعلنا مرضى
كما في نص في كتاب ”الأوبئة“، وصف طبيب مجهول أحد مرضاه، بارمينيسكوس Parmeniscus، الذي أصبحت حالته النفسية سيئة بشكل بالغ لدرجة أنه أصيب بالهذيان، وفي النهاية لم يتمكن من الكلام. وبقي في الفراش لـ 14 يومًا قبل أن يتعافى. لكن لا نعرف كيف شُفي.
وفي وقت لاحق، لاحظ الطبيب الإغريقي الشهير جالينوس من بيرغامون [11] «129-216م» أن الناس غالباً ما يصابون بالمرض بسبب إصابتهم بحالة نفسية سيئة:
تحت ظروف معينة قد يكون ”التفكير“ أحد بب، غالبًاما يصابون بأمراض لهذا السبب ويجدونصعوبة في التعلب على هذه الأمراضوالشفاء منها.
كما وصف جالينوس بعض مرضاه ممن عانوابسبب سوء صحتهم النفسية، بما فيهم بعضممن أصيب بمرض خطير ومات. أحدالأشخاص ممن فقد أمواله أصيب بالحمىوبقي مصابًا لفترة طويلة. ورأى أنه يؤنب نفسهفي المنام ويندم وكان منفعلًا بسبب هذه الخسارة حتى استيقظ. وبعد الاستيقاظاستمر في حزنه إلى أن بهت لونه ونحل جسمهثم أصيب بالتهاب الدماغ. وأصيب أخيرًا بهذيان [12] كما هو واضح من طريقة كلامه، وبقي على هذه الحال حتى مات.
3. الأمراض النفسية يمكن الوقاية منها وعلاجها
في العالم القديم، كان الناس يستخدمون عدة طرق مختلفة للوقاية من الأمراض العقلية أو علاجها.
الفيلسوف أريستيبوس [13] الذي عاش في القرن الخامس قبل الميلاد كان ينصح الناس بعيش الحاضر [14] للوقاية من الإصابة بالاضطرابات النفسية [15] وكتب:
على المرء أن يركز ذهنه على العيش فيالحاضر، وأكيدًا على تلك الفترة من اليومالتي فيها يفكر ويعمل. ما نملكه هو الحاضروحسب، وليس الماضي ولا المستقبل. الماضيمضى وانتهى ولم يعد معنا، ومن غير المؤكدأننا سنعيش المستقبل.
وقال الفيلسوف كلينياس الذي عاش في القرن الرابع قبل الميلاد إنه كلما شعر بالغضب يذهب ويعزف على قيثارته لتهدئة نفسه [14] .
كان للأطباء أساليبهم الخاصة في علاج حالات الصحة النفسية. ونصح الكثير من الأطباء المرضى بتغيير أنماط حياتهم لضبط حالتهم النفسية. وقد نصحوا الناس بالبدء في تبني نظام جديد لممارسة التمارين الرياضية، واتباع نظام غذائي مختلف، والسفر عن طريق البحر، والاستماع إلى محاضرات الفلاسفة، وممارسة الألعاب «مثل لعبة الضامة أو الدامة [16] »، وممارسة تمارين ذهنية تماثل لعبة حل الكلمات المتقاطعة أو لعبة ال سودوكو المنتشرة هذه الأيام [17] .
جالينوس، وهو طبيب مشهور، كان يعتقد أن المشكلات العقلية ناجمة عن فكرة سيطرت على العقل
على سبيل المثال، اعتقد الطبيب كايليوس أوريليانوس «طبيب من روما القديمة في لقرن الخامس الميلادي» أن المرضى المصابين بالجنون يمكن أن يستفيدوا من نظام غذائي متنوع يشتمل على الفاكهة.
كما نصح الأطباء حينئذ الناس بتناول أدوية عشبية. على سبيل المثال، عشبة ال خربق «أو خرباق» [19,18] للمصابين ب البرونيا «جنون العظمة». بيد أن الأطباء القدماء أدركوا أن عشبة الخربق يمكن أن تكون خطيرة لأنها تسبب أحيانًا تشنجات عضلية توترية [20] ، مما قد يؤدي إلى وفاة المريض.
لأطباء آخرين، مثل جالينوس [11] ، وجهة نظر مختلفة قليلاً. كان يعتقد أن الاضطرابات العقلية ناجمة عن بعض الأفكار التي سيطرت على العقل. كان يعتقد أن هذه الاضطرابات العقلية يمكن علاجها إذا تخلص المصاب من هذه الأفكار، وكتب:
ومن كان سبب مرضه الأفكار لا يُشفى منها إلا بالتخلص من هذه الأفكار الباطلة التي سيطرت على الذهن فحسب، لا بالأطعمة، أو الأشربة، أو السكن، أو الحمامات، أًو المشي ونحو ذلك.
اعتقد جالينوس [20] أنه من الأفضل صرفْ أذهان مرضاه بعيدًا عن هذه الأفكار الخاطئة وذلك بوضع أفكار ومشاعر جديدة في أذهانهم، وقال:
وضعت الخوف من خسارة أموال، أو مكائدسياسية، أو شرب سم أو أشياء أخرى منهذا القبيل في أذهان آخرين لصرف أفكارهمإلى هذه الأشياء […] ووضعت في أذهانآخرين ما يثير سخطهم ضد الظلم، وحبالتنافس «التزاحم»، والرغبة في التغلب وهزيمةالآخر حسب اهتمامات كل شخص [أوجماعة].
4. علاج الصحة النفسية تحتاج إلى بذل جهد
بشكل عام، اعتقد القدماء أن الحفاظ على الصحة النفسية يتطلب جهدًا. لو اصبنا بالقلق أو شعرنا بالغضب أو باليأس، فعلينا أن نفعل شيئًا من شأنه أن يعكس [تأثير] تلك المشاعر.
كان القدماء يعتقدون أنه بالإمكان تحقيق ذلك بالقيام ببعض الأنشطة التي تناقض بشكل مباشر هذه المشاعر السلبية التي نمر بها.
على سبيل المثال، قال كايليوس أوريليانوس ينبغي لـ المصابين بالاكتئاب أن يمارسوا أنشطة تجعلهم يضحكون ويشعرون بالسعادة، مثلًا. مشاهدة فيلم كوميدي.
كايليوس أوريليانوس ينبغي لـ المصابين بالاكتئاب مشاهدة عروض كوميدية
بيد أن القدماء لم يعتقدوا أن أي نشاط من الأنشطة وحده كافٍ لتحسين حالتنا النفسية. والشيء المهم هو إحداث تغيير شامل في طريقة عيش الشخص وتفكيره.
عندما يتعلق الأمر بمشكلات الصحة النفسية، فمن الواضح أن لدينا الكثير من القواسم المشتركة مع هولاء القدماء. ويبدو أن الكثير مما قالوه له أهمية في الوقت الحاضر كما كان مهمًا قبل ألفي عام، حتى لو أننا نستخدم أساليب وأدوية مختلفة عما كان القدماء يستخدمونها.