الكتاب: الثورة المستقبلية للرعاية الصحية
- الكتاب: الثورة المستقبلية للرعاية الصحية
- المؤلف: رائد محمد آل شهاب
بعد عدة أشهر من البحث وإعداد هذا الكتاب، بدأت أفكر بالسؤال الأكثر أهمية في هذا الكون ”هل الشيخوخة نهاية عمر الإنسان؟“
إن استهداف الشيخوخة مثلما نستهدف الأمراض أمر منطقي جداً، فعامل الخطر الأكثر شيوعاً للأمراض الخطيرة هو في النهاية، الشيخوخة. نأخذ مرض القلب مثلاً، يقول بارزيلاي ”قد تقول إن سببه الكوليسترول. لا، الكوليسترول أخطر بثلاثة أضعاف، والشيخوخة خطر بألف ضعف“. وبالنسبة للسكري، البدانة خطر بثمانية أضعاف، لكن الشيخوخة خطر بـ 500 ضعف. الشي نفسه ينطبق على السرطان والحالات العصبية، الخ. الشيخوخة هي عامل الخطر الأكثر شيوعاً. مشكلة التقدم بالسن هي أنها تعني بالنسبة للعديد منا سنوات عديدة من تراكم أمراض مختلفة.
لنفترض أنك أصبت بأول مرض خطير في سن الستين، سرعان ما سيلي ذلك مرض خطير ثانٍ وثالث. في تلك المرحلة لا يستطيع جسمك أن يتأقلم وستموت قبل أن تبلغ الثمانين. الحال مختلف مع المعمرين، فقد أظهرت الدراسات أنه في سن المئة، حوالي 23% من المعمرين لا يعانون من أمراض مزمنة، 55% يبلغون سن المئة دون أن يصابوا بضعف إدراكي. هذا لا يعني أن المعمرين لا يصابون بأمراض، بل يعني فقط أنهم يصابون بها في سن أكبر بكثير.
يعيش معظم الناس مصابين بأمراض موهنة لعدة سنوات قبل أن يموتوا، بينما يصاب أغلب المعمرين بالمرض قبل أشهر أو حتى أسابيع من وفاتهم.
يعتقد بارزيلاي أن معالجة هذه المشكلة يمكن أن توفر على الاقتصاد العالمي عدة تريليونات من الدولارات من التكاليف الطبية وغيرها من التكاليف المرتبطة برعاية السكان المسنين، ويقول ”الطريقة الوحيدة لإحداث فرقٍ هي باستهداف الشيخوخة في الواقع وليس استهداف المرض“. الهدف هنا ليس السعي إلى الخلود، وبحساب بسيط يتبين أن الحد الأقصى لعمر الإنسان هو 115 سنة، لكن متوسط العمر المتوقع هذه الأيام يبلغ 80 سنة، لذا في مكان ما وبطريقة ما، يفوت معظمنا 35 سنة من حياتنا.
قد يبدو الأمر منطقياً، فقد عاش بعض الأنبياء مثل نوح، وهود، صالح وإبراهيم بين 120 إلى 950 سنة، وإن اختلف المفسرون عن المدة وتعريف كلمة سنة مقابل عام بالقرآن الكريم، فبكل الأحوال الفترة طويلة جداً يجعلنا نتأمل في عجائب الخالق العظيم. يعد النبي نوح الأكبر عمراً، حيث استمر في دعوة قومه كما ذكر القرآن الكريم تسعمائة وخمسين عاماً في دعوته لله تعالى فقط. وهذه أسباب وفترات تفوق العقل البشري.
لكن السباق على طول العمر، لا يتحلى بعض الناس بالصبر، أو الواقعية. وقد عقدت شركات تكنولوجيا بيولوجية، تمولها ثروات وادي السيليكون، العزم على مشكلة الموت. يعد الملياردير بيتر ثيل مؤسس باييال وجف بيزوس مؤسس أمازون من بين الأشخاص الذين أيدوا أو استثمروا بقوة في قضية طول العمر. ويقترح المؤلف والأكاديمي أوبري دي غراي، الذي يزعم خوضه ”حملة لهزيمة الشيخوخة“، أن أوائل البشر الذين سيعيشون حتى سن 1,000 سنة قد ولدوا من قبل. والفكرة الخيالية بأننا قد نكون قادرين على العيش لعدة مئات من السنوات هي موضوع سلسة ”محادثات تد“ دي غراي، الذي لوحده لديه أكثر من أربعة ملايين مشاهدة على يوتيوب. وهي نقطة تركيز مختبر ”طول العمر“ من شركة كاليكو التابعة لغوغل والذي تبلغ تكلفته مليارات الدولارات.
وقد قال رجل الأعمال وصاحب رأس المال الاستثماري بيل ماريس الذي أسس كاليكو إن الناس يمكن أن يعيشوا لـ 500 سنة. ومنذ عام 2016 وشركة أمبروزيا الناشئة ومقرها كاليفورنيا تبيع ”عمليات نقل دماء فتية“. دم أولاد ينقل إلى أجساد الراشدين، لقاء 8,000$ لليتر الواحد، رغم وجود دليل بسيط أو لا دليل على الإطلاق من أن لمثل هذا الإجراء أي فوائد صحية.
وتعمل شركة يونيتي بايوتكنولوجي، ومقرها كاليفورنيا أيضاً، على ”منع مختلف أمراض الشيخوخة وإيقافها وعكس مسارها“، وقد جمعت حتى تاريخه أكثر من 210 ملايين دولار من التمويل. يفترض راي كورزوايل، مدير الهندسة في غوغل أن هناك سرعة إفلات لطول العمر، وهي النقطة التي يضيف فيها التقدم العلمي سنوات إلى حياتنا بشكل أسرع من انقضائها من حياتنا، ويعتقد أن تلك النقطة تبعد أقل من عقد من الزمن. تقول باريش، إننا ننظر إلى تشكيلة متنوعة من المرشحين المختلفين لعلاج الشيخوخة. منذ علاجها في كولومبيا، تحولت بيوفيفا إلى ما تصفه بشركة لتحليل البيانات، وقد دخلت في شراكة مع شركة العلاج الجيني إنتغرايتد هلت سيستمز بالعلاجات الجينية والشركات المهتمين بالعلاجات الجينية التجريبية التي تستهدف الشيخوخة بالأطباء المستعدين لتنفيذها. تقول باريش، نتنقل بين المكسيك وجمهورية الدومينيكان والبيرو وكلولومبيا، مشيرة إلى الدول التي يستطيع المرضى تلقى فيها علاجات جينية محظورة في معظم أنحاء العالم.
للوصول إلى هناك، وما بعده، سندخل عصراً جديداً من الرعاية الصحية، عصر يكلف فيه الأطباء بالحفاظ على الصحة وليس علاج الأمراض، عصر يستبدل فيه تعبير ”مقاس واحد يناسب الجميع“ بتعبير مقاس واحد يناسب شخصاً واحداً. إنه مستقبل سنعيش فيه كلنا حياة أطول وصحية أكثر، وسيكون ذلك المستقبل مسيراً بالبيانات... بالكثير من البيانات.
فالأبواب الخمسة التالية من هذا الكتاب تقدم لمحة متواضعة عن عالم المستشفيات بشكل عام والثورة المستقبلية للرعاية الصحية:
• تاريخ المستشفيات والأمراض وتطورها
• التخطيط والخدمات الطبية
• معايير ومقاييس تقيم الأداء
• الميزانية والتأثيرات الخارجية
• مستقبل الرعاية الصحية
وأخيرا، يختم الكتاب بكلمة أخيرة، وملحق لحالات للدراسة لعالم جديد من الرعاية الصحية. ونأمل من الله العلي القدير التوفيق لطرح هذه المادة المتواضعة. واللهم صلى على محمد وآل محمد.