آخر تحديث: 31 / 10 / 2024م - 11:58 م

ولا غلطة

سوزان آل حمود *

‏هدَأت روحي، لم أعد أستعجل الأشياء وأصّر على حدوثها، تركتُ كل ما يلزمني أن أتنازع معه ليصبح لي ويكون كاملاً، أريد أن أشعر كما لو أنه يسعى لي كل ما أسعى له، بكل حبٍ وخفّة، وبالرغبة نفسها.

ولا غلطة؟!

عبارة دارجة على ألسنة بعض الناس للتعبير عن جمال الشيء وروعته وخلوه من العيوب وصولاً للكمال.

والكمال هدفنا وغايتنا التي خلقنا الله لأجلها، ولو كنا في الواقع عين النقص!

الكمال المطلق هو صفة من صفات الله سبحانه وتعالى وحده. فالله هو الكامل في ذاته وأفعاله وصفاته، بينما البشر لا يمكن أن يصلوا إلى هذا المستوى من الكمال المطلق. كل إنسان لديه نقاط قوة وضعف، وصفات حميدة وأخرى غير كاملة.

قد يعتقد الكثيرون أن تحقق ”الكمال“ في الإنسان وهمٌ وخرافة،

وعلى الرغم من عدم إمكانية تحقيق الكمال المطلق، فإن الإنسان بطبيعته يسعى دائمًا لتحسين ذاته والوصول إلى أعلى درجات الكمال الممكنة من خلال تهذيب أخلاقه وتصرفاته. فالإنسان الحكيم هو الذي يسعى للتطور والتحسن باستمرار، مدركًا أنه لن يصل إلى الكمال المطلق.

الإنسان بإنسانيته عاشق للكمال الذي لا يحد ولا ينتهي. وهو يتوق إليه ويسعى نحوه بمقتضى أصل خلقته التي لا تتبدل.

إذا استطعنا أن ننشّئ أولادنا على هذه الحقيقة العظيمة؛ أنهم عشاق الكمال المطلق، وأعنّاهم على تمييز الكمال الحقيقي من الكمال الوهمي، فسيسلكون سبل التكامل في كل أبعاد وجودهم وشؤون حياتهم!

ليس كمال الإنسان في قوة الجسم ورشاقة البدن، أو لون البشرة وجاذبية الشكل، فهذا كمالٌ للأجسام.

وليس كمال الإنسان في السيطرة والغلبة والحسب والنسب، فهذا كمالٌ للحيوان.

وليس كمال الإنسان في الفكر والعلوم والمعارف المجردة، فهذا بعدٌ من أبعاد الكمال.

تبرز رغبة الإنسان في الكمال بشكل واضح في اختيار الشريك في الحياة. فالكثير من الأفراد يبحثون عن شريك حياة ”كامل“ لا يوجد به أي عيوب أو نقاط ضعف. ومع ذلك، من المهم أن يدرك الإنسان أن هذا الكمال المطلق غير موجود في البشر، وأنه من الطبيعي أن يكون لكل شخص نواحٍ قوة وضعف.

يجب على كل من الزوج والزوجة أن يكونا واقعيين في توقعاتهما تجاه بعضهما البعض. فلا ينبغي أن يتوقعوا الكمال المطلق من الشريك، بل عليهم أن يتقبلوا أن لكل إنسان نقاط ضعف ويختلف عن الآخر.

من المهم أن يتواصل الزوجان بصراحة وشفافية حول توقعاتهما وانتظاراتهما من العلاقة. وذلك سيساعد على خلق فهم متبادل وتقبل لعدم الكمال.

بدلاً من محاولة إصلاح الطرف الآخر، على الزوجين أن يعملا معًا على تطوير وتحسين أنفسهما وعلاقتهما. فالتغيير الحقيقي يبدأ من الداخل.

يجب أن يكون لدى الزوجين الصبر والتسامح تجاه بعضهما البعض. فالعلاقات الناضجة تتسم بالتقبل والرحمة عند مواجهة النقاط الضعيفة.

إن الواقعية والحكمة تتطلب من الإنسان أن يتعايش مع عدم الكمال المطلق في ذاته وفي الآخرين. فالقبول بالنقاط الضعيفة والعمل على تحسينها بدلاً من البحث عن الكمال المطلق هو طريق النجاح في العلاقات الإنسانية. كما أن التركيز على نقاط القوة والتكامل بين الأفراد هو أساس بناء علاقات ناجحة وصحية.

ختامًا

الكمال المطلق هو صفة خاصة بالله وحده، بينما البشر لا يمكنهم الوصول إلى هذا المستوى «ولا غلطة» ومع ذلك، فإن سعي الإنسان للوصول إلى أعلى درجات الكمال في أخلاقه وتصرفاته هو أمر طبيعي ومحبب. إن معرفة الإمكانات ورعاية التدرج وتفعيل الطاقات وفق المقدور، أسس ثابتة في التربية السليمة. وعليه يمكن تشبيه ”الكمال“ ببذرة أودعها الله سبحانه في وجود الإنسان، فإذا ما لاقت الاهتمام اللازم والرعاية الكافية أي التربية الإسلامية الأصيلة، نبتت غرسة كريمة ثم استحالت شجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين!

وعلى الرغم من رغبة الإنسان في إيجاد شريك كامل في الحياة، إلا أنه من الأهمية بمكان التعايش مع عدم الكمال المطلق والتركيز على نقاط القوة والتكامل بين الأفراد. وأن يتعلموا قبول عدم الكمال في بعضهما البعض وبناء علاقة زوجية أكثر صحة وتوازنًا.