آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 11:33 م

زيارة أربعين الإمام الحسين (ع) وكلامنا عنها

سلمان العنكي

لا حاجة إلى الإخبار وتوضيح البيان، ولا مجال للتكذيب وقيل وقال، فالشِّيَع منقطعة النظير أصدق دليل وبرهان. على مدار العام يزور الحسين الملايين، وفي الأربعين تتضاعف إلى مثلها عشرات. البعض يتساءل أو يجزم أن الكثير من هؤلاء لا يصلي، لا يصوم، قاطع رحم، عاقٌّ لوالدَيه، سيئ الخلق، فاسق، ووووو، كيف يزور؟ لا يقبله الإمام، بل يدنس بأعماله الفاحشة وتقصيره المقام الشريف. والرد على كلام المجالس هذا، إن صح، بالمواقف والمفاهيم التالية:

1- ألا يوجد بين المصلين في المساجد والحجاج في مكة مذنبون يقابلون رب ”الحسين“ بذنوبهم؟ وفي الحسينيات مستمعون اقترفوها، أليس كذلك؟ ألم يقوموا بهذه الأعمال رجاء غفرانها؟ إن لم يكن اليوم، ففي غدٍ أو ما بعده. إذًا لماذا التركيز على زواره والحرص الشديد على انتقادهم؟ ألا نعطي النصف من أنفسنا؟

2- إذا كان الله تعالى يقبل من المطيعين دون غيرهم، إلى من يلجأ العاصون؟ ألم يتقربوا إليه بالوسائل لغفران ذنوبهم؟ وسبط النبي الأكرم أعظم وسيلة، سفينة نجاة. إن كان المؤمنون في حاجته، فالمذنبون أحوج منهم إليه....

3- كيف نحكم بأنه لا توبة لهم، لا دعوة تُستجاب، ولا يُغفر لهم، يعودون بخفي حنين كما ذهبوا؟ من أين لنا هذا؟ لا أدري كيف تحكمون؟ اليوم يتعلق قلبه فيشتاق للعودة، يفكر في ذنوبه فيتخلص منها شيئًا فشيئًا حتى يكون طاهرًا من خبائث الأعمال قبل رحيله ثانية، أملًا في القبول، إن لم يكن الكل، فلا أقل الأغلب، فتكون هذه مفتاحًا لهدايته والسبب أولى زياراته.

4- بعض المواقف في لحظات تغير سلوك صاحبها، تنقله من الفسق إلى الإيمان، ربما يُشار إليه فيما بعد وحديث يُذكر، كما هو ”بشر الحافي“ وغيره الكثير.

5- الزائرون ضريحه بينهم العالم والعامي، الرئيس والمرؤوس، الغني والفقير، الصغار والكبار، والبعيد، بين منكبيه فيهم فاقد البصر ومقطوع اليدين والرجلين، لم يقف واحد منهم في وجهه آمرًا، مروعًا، قائلًا: ”لن أدعك يا حسين، عليك أن تطيع وتتبع وإلا“، بل باكين لما جرى، شعث غبر، يتمنون لو وُجدوا وقتها لدافعوا عنه وفدّوه بأرواحهم، يرددون عند وقوفهم وفي ممشاهم: ”ليتنا نُقتل ثم نُحرق، يُفعل بنا مرات لنذوق طعم محبته“. في المقابل، ومن رحم كربلاء، مَن وقف يومًا مخوفًا نسائه وأطفاله ، قائلًا لإمام زمانه ومَن وجبت عليه طاعته: ”لن أدعك حتى أذلك“، إنها ساعة شريرة فيها قمة الغطرسة والعصيان، وأعني بذلك ”الحر الرياحي“، ولكن ما هي إلا أيام حتى يقف هذا أمام مولاه بفارق بين الموقفين وتباعد بين اليومين، ”هناك كان عبدًا لطاغية منحرف“، يقول: ”الأمر أمري“، ”وهنا عبد مطيع لله تعالى“، يستجدي: ”أنا الذليل المسكين المعتذر، اقبلني سيدي“، عله وعسى يُسامَح عن موقفه المشين بالأمس، بل ويتمنى أن يُقبل مجاهدًا بنفسه، ولصدقه وخالص نيته قُبل وعُفي عنه، ألا يحق لنا إذًا أن نتساءل: كيف بعاصٍ لمولاه تحول إلى مضحٍّ له؟ ترك الدنيا كما كان يأمل ويظن، وأقدم راجيًا الجنة ونعيمها، ”زهده في تلك ورغبته لهذه“، إلا أن قذف الله في قلبه حبه حتى وصل لدرجة يُقال: ”إنه الحر في الدنيا السعيد في الآخرة“، كيف بزواره وقد خرجوا من ديارهم شوقًا وطمعًا في ثواب زيارته لمكانته من الله، فلن يعودوا خائبين بجاهه، تصلح سرائرهم وتتيسر أمورهم لقضاء حوائجهم، متخذين منها أولى خطوات على طريق التصحيح، وقتها يتحقق جانب من الاستجابة لدعوته، لما رُوي عنه عندما قال: ”إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي“، ومَن لم يتعظ ويصلح حاله ولو تدرجًا لا يُعذر ويكتب من الخاسرين، فرصة لا تتكرر، عله لا يبلغ لغيرها، يستغلها الآن قبل فوات الأوان، عندها الندم وقول ”ياليتني“ لا تنفعه. ”الحسين ريحانة الهادي الأمين، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين“، يزورهم في آخرتهم كما زاروه في دنياهم.

6- لماذا اليأس؟ إن الزائر المذنب لا يُقبل منه، والله يقول: ”ادعوني أستجب لكم“، يُنقل ”بما معنى القصة باختصار“ أن رجلاً من بلاد المغرب يحج كل سنة لم تُقبل حجته، حتى سمع حاج في إحدى السنين في المنام مناديًا أن الله قبل من الحجاج - إلا فلانًا - فاستغرب وسأل عنه حتى وصل إليه، قال له: ”أنت «....»؟“، رد عليه: ”نعم“، وأكمل له: ”هل سمعت أن الله غفر للحجيج إلا أنا؟“، قال: ”نعم، ما قصتك؟“، قال: ”من خمس وعشرين سنة أحج ولم يُقبل مني“، فرد عليه الحاج: ”إذًا لن يُغفر لك أبدًا“، قال: ”ربي البصير بي، أرجو أن يغفر لي“ «لها تكملة وإلى هنا كفاية حسب الحاجة»، في السنة القادمة سُمع النداء: ”إن الله غفر للجميع بما فيهم هذا الحاج“ - الدليل على أن الأمل في الله لا يضيع.

7- لنكن جميعًا متفائلين، داعين لزوار أبي عبد الله بالهداية والتوفيق، وأن يُعطوا ما يتمنون إلى أن ينالوا شفاعته ، دون تحبيطهم وتهويل ذنوبهم وتقليل شأن المولى ، وأن زواره مجرمون لا فائدة من تعبهم، إليه تذل النفوس وهي عزيزة، وتهواه القلوب مشتاقة، وتُبدل الأرواح لنصرته، إنه زينة عرش الرحمن وسيد الشهداء، ومجابة تحت قبته الدعوة من كل داعٍ. لم أتطرق في ردي إلى رواية لأني أولًا غير متخصص في ذلك، أتركها لأهلها فعندهم المزيد، وثانيًا المعني بها الزائر بالمشاهدة، وأخيرًا أقول: هنيئًا لزائريه، أسأله تعالى لهم السلامة، وأن يشركنا في الدعاء والزيارة والعودة إلى ديارهم ومحبيهم سالمين غانمين، كم أنا مشتاق لأن أكون بينهم، ولكن؟