مشاية لأبو السجاد على طريق كربلاء
في كل عام تَستَعِيدُ الذاكرةُ جزءاً من حيِّويتِها في أربعينية الإمام الحسين وهي تستعرضُ سيرةَ شموخ أبطالٍ قضَوا نحبهم شهداء من أجلِ بقاءِ الدين ورفض الظلم والطغيان، وتستعيدُ الذاكرةُ بعضاً من تألُّقِها في هذا اليوم العظيم وهي تستقرئُ مساحاتٍ على أرض كربلاء التي تغص بملايين الوافدين إلى زيارة الإمام الحسين بن علي .
تستعد كربلاء المقدسة في العشرين من شهر صفر لاستقبال ملايين الزائرين مشيًا على الأقدام من كل المدن العراقية ومن بعض دول العالم من مختلف الأعمار والأجناس لزيارة الإمام الحسين في يوم الأربعين، راسمين مشهدًا بشريًا مهيب يتشكل من المشاية لزيارة سيداً من سادات الجنة، فتتساقط أقلام العقلاء من بعض الكتاب والشعراء، وتحل مكانها الدموع والآهات وهم يرونَ المسيرات المليونية باتجاه المرقد الطاهر.
أرض كربلاء نالت الشرف العظيم باستشهاد سيداً من سادات الجنة وحفيداً لرسول الله ﷺ وهو: الإمام الحسين بن علي وأهل بيته وأصحابه، فكتبت دماؤهم الطاهرة الخلود لتربتها والاستقامة لدين محمد ﷺ، حيث أن الإمام الحسين قال بعد أن خاطب القوم لثنيهم عن قتله وسفك دمه وسبي عياله لكنهم أصروا على ذلك، «إن كَانَ دينُ مُحَمَّدٍ لَم يَستقم إلَّا بِقتلي فَيا سُيوفُ خذيني».
استشهاد الإمام الحسين على أرض كربلاء أعطاها القداسة والشموخ على مر الزمان، وأصبحت الرملة التي احتضنت جسده الطاهر رمزًا للحرية والكرامة والإباء يقصدها الوالهين عشقاً للإمام الحسين ، فالشهادة التي كتبها بدمه ونال فيها المرتبة الرفيعة في الجنة هي كرامة من الله تعالى ومنزلة استحقها لصبره واحتسابه على نصرة دين الله تعالى، صبرًا قاده إلى سفك دمه وسبي عياله وخروج نفسه الطاهرة دون الوهن منه في طاعته تعالى.
كل الأحياء من البشر هي مقامات وقامات، لكن الإمام الحسين وأهل بيته والرجال الذين نصروه واستشهدوا في واقعة كربلاء هم من هرول التاريخ خلفهم كي يخلدهم، وهم الأعلى قامات ومقامات عن باقي البشر، لأن كرامتهم من الله أن التاريخ قضى زمنًا يلهث خلفهم ليفوز بشرف تخليدهم، بينما نلهث نحن خلفهم عسى أن يخلدنا معهم، «ربي اجعل لي قدم صدق مع الحسين يوم الورود».
لا يوجد هناك أغلى من نفس الإنسان التي عندما يخيرها بين الحياة وزخرفها وبين الموت الذي ستذوقه كل نفس، فحتماً ستختار الحياة حتى وإن كانت قاسية ومليئة بالظلم والظالمين، لكن الإمام الحسين والأبطال الذين نصروه في واقعة الطف كان لهم رأيًا آخر في فلسفة بقاء هذه النفس دون سيدهم بقولهم في يوم عاشوراء: «يا نفس من بعد الحسين هوني.. وبعده لا كنت أو تكوني».
ختاماً: لا أظن بأن مرور السائرين في غمرة الطوفان الحسيني الهادر، وأمواج العاشقين المتعاظمة من كل الجهات مشاية نحو كربلاء إلى مرقد الإمام الحسين بأن يمر مرور العابرين عند الله تعالى، بل إنها تجارة رابحة مع الحسين ثوابها عظيم لا يرد من الله تعالى.