الأثر الاقتصادي لتخفيض السعودية انتاجها من النفط؟ «4»
ليس بالإمكان النظر لما قاد إلى التحول الفارق في إدارة السعودية لعلاقتها بسوق النفط العالمية من جانب، وصلتها مع بقية الدول المنتجة داخل وخارج أوبك إلا من خلا التعرف إلى السياق الذي قاد إلى تحولات بنيوية في السياسة النفطية من كونها مصدر لتمويل الخزانة العامة إلى كونها أداة لتعظيم العائد.
وفيما يبدو فإن مهمة التحرر من تفرد النفط بالاقتصاد السعودي كانت تعتمد على قرار مبدئي بتنويع مصادر إيرادات الخزانة العامة، أكثر مما هو تنويع الاقتصاد بحد ذاتهِ، والسبب أن الصلة كانت مفقودة بين تنويع الاقتصاد وإيرادات الخزانة؛ حيث أن ما يتجاوز 90 بالمائة من إيرادات الخزانة العامة في المتوسط كان مصدره إيرادات النفط، ولن يكن هناك مبادرات ملموسة لتنمية إيرادات الخزانة غير النفطية. وحتى العام 2017 لم يتجاوز إيرادات الخزانة العامة من الضرائب 3,3 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي للمملكة، حيث تراوحت الحصيلة بين 50 مليار ريال في العام 2010 مقابل نحو 700 مليار إيرادات نفطية أي 17:1، و87مليار ريال في العام 2017 مقابل 840 مليار ريال إيرادات غير نفطية لذات العام أي قرابة 10:1.
لكن تلك المساهمة الرتيبة والمحدودة للإيرادات غير النفطية تلاشت في العام التالي «2018»، نتيجة لاتخاذ الحكومة جملة قرارات ارتكازية لإعادة هيكلة المالية العامة أدت - ضمن أمور أخرى - لإيجاد الرابط المفقود بين أداء الاقتصاد - ولاسيما جانب الطلب «الاستهلاك» - والخزانة العامة، تأسياً بالرابط بين أداء قطاع النفط والخزانة العامة.
لنأخذ نظرة: في العام 2018 تضاعفت الإيرادات الضريبية ثلاثة أضعاف إلى 263 مليار ريال مقال 1194 مليار ريال للإيرادات النفطية أي 4,5:1. هذا التطور غير المسبوق في تناظر الربط بين النشاطات الاقتصادية كافة وإيرادات الخزانة، بحيث أن تدر جميعها دونما استثناء دخلاً للخزانة العامة كان العلامة الفارقة، التي أحدثتها برامج الرؤية، وتحديداً برنامج الاستقرار المالي. ولابد هنا من التذكير بالسياق الذي عايشته الخزانة العامة في الفترة السابقة للعام 2018، ففي العام 2015 بلغ عجز الخزانة العامة رقماً قياسياً قدره 367 مليار ريال، و297 مليار ريال في العام 2016، و238 مليار ريال في العام 2017. أما في العام 2018 فقد تراجع العجز إلى 136 مليار ريال «4,6 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بعجز تجاوز العشرة بالمائة للسنوات الثلاث السابقة» على الرغم من أن الميزانية العامة للسعودية في ذلك العام شملت انفاقاً قياسياً تجاوز ترليون ريال. «يتبع»