آخر تحديث: 22 / 11 / 2024م - 1:35 ص

باءهم تجر وباء غيرهم لا تجر

جمال حسن المطوع

من المفارقات العجيبة أن ترى أشخاصا يتسارعون إلى إلقاء النصائح والمواعظ ويحثون عليها بشكل مبالغ فيه وكأنهم مصلحين أو واعظين، أخذوا على أنفسهم عهدا ووعدا ما أن يقع أي سوء فهم بين فريقين مختلفين في الرؤى والنظرة، تراهم أحرص الناس على تقريب وجهات النظر والحث عليها والعمل على تضييق الشقة بين الأطراف المتضادة، فيستشهدون عليهم بآيات قرآنية كريمة أو أحاديث نبوية شريفة لفض الاشتباكات والمناوشات بإصرار وعزيمة لا تلين.

ولكن العجب العجاب نسيانهم أو تناسيهم أنهم ذاتهم محتاجون إلى رفع الغشاوة عن أعينهم لأنهم يعيشون نفس الواقع ولكنهم لا يبصرون وضعهم وموقفهم المتأزم والمتأرجح في النظرة إلى الأحداث، حيث إنهم يعانون من ذات المشكلة مع أناس آخرين، فما أن يتدخل أحد المؤمنين ليوفق ويبدل مساعيه في رفع اللبس الحاصل بينهم وبين الأطراف الأخرى المعارضة لهم تجدهم يصدون عنك صدودا، بل يصل الأمر إلى قطع العلاقة القائمة بينك وبينهم بسبب عدم مساندتك رؤياهم، بينما كان القصد من ذلك كله هو السعي من ناحية أخلاقية وإنسانية في تبريد الأجواء مع الأطراف المختلفة بالاستدلالات الدينية وإلقاء الحجة عليهم، ولكن مبدأ نظرتهم بأن باءهم تجر وباء غيرهم لا تجر، ما هذه التناقضات المتصادمة فيما بينها وما هو تأثير الالتزامات السلوكية والدينية التي أمر بها الشرع ويحث عليها وكما قيل...

خاطب الناس على قدر عقولهم ولا تكن سبعا عليهم بل لطيفا وخفيفا على الحديث معهم لعل وعسى كما يقال... ما لا يدرك كله لا يترك جله، والحرص على إفهامهم ورفع الروح المعنوية لديهم وتوجيههم إلى نقاط حساسة وتشعرهم بحيث لا تأخذوا ما يناسبكم من الدين والعرف الإنساني وترك ما لا يناسبكم عن القيام بما أوجبه الله علينا من واجبات لا ينفصل بعضها عن الآخر بأي حال من الأحوال، بل هي كتلة واحدة لا تتجزأ، وقد حثنا الله جل وعلا في قرآنه الكريم: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ [التوبة: آية 105].

وفي آية أخرى حيث قال الله تعالى: ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا [الكهف: آية 103,104]. صدق الله العلي العظيم.

إذا لا بد من وجود معايير إلهية فيها الهدى والنور لمن أراد أن يتبعها كل مؤمن ومؤمنة قولا وفعلا، مبتغيا الأجر والثواب من الله سبحانه وتعالى.

فليس من المعقول أن نأخذ ببعض ما جاء في كتاب الله الكريم ونترك بعضه، كما قال الشاعر: لا تنهى عن خلق وتأتي بمثله... عار عليك إذا فعلت عظيماً.

والله الموفق.