آخر تحديث: 4 / 12 / 2024م - 9:38 م

ليه...؟

محمد العلي * مجلة اليمامة

كان مبتهجا، يتفتّح على سكينة ووقار، مستقبلا ندا الصباح بانتشاء نرجسي حالم يفيض على ما حوله. لم بكن يخطر في خياله أن يكدّر صفاءه أي طارئ، ولكن الزمن يسير دون أن يلتفت إلى ما سحقت قدماه، فها هو الصوت الجارح ينقض عليه، على حين غفلة، انقضاض طعنة: «ليه يا بنفسج بتبهج ونته زهر حزين؟»

أيها الدمع أين أنت؟ هل أضعت مصبك؟ هكذا راح البنفسج يستنجد بدمعه. والدمع، كما قال الشاعر المبدع ناجي حرابة: «المدامع / ليست صبابة ماء على وجنة / إنها جُمَل لم تقل» نعم هذه «الجمل المائية» بقيت في بئرها، غير مبالية بنداء البنفسج، ولكنه كان معتزا بنفسه اعتزاز قائد منتصر، فألجم عاطفته، وراح يفكر: ما الذي دفع هذا الشاعر «الهائم على وجهه» إلى أن يرى الحزن باسطا ذراعيه على وجهي؟ ألا يمكن أن يكون ما رآه نابعا من نفسه هو؟

بلى. إن معظم فلاسفة «الوضعية المنطقية» يؤكدون على أن «أحكام الأخلاق والجمال مجرد شعور ذاتي؛ لذا فكل التعبيرات عنهما بلا معنى؛ لأنها لا تدرك بالحواس» ولكني، وأنا البنفسج الرزين هل أعتبر هذا الهذيان رأيا فلسفيا، يحيل ما قال هذ الشاعر إلى حظيرة القبول؟ كلا. إن أي حكم لابد أن يتعلق بالذات والموضوع معا، في المسائل الأخلاقية والجمالية، وإلا انعدم الفرق بين الجمال والقبح، وتساوى الخطأ والصواب في كل الأحكام المتعلقة بالذات والموضوع.

سأغفر لهذا الشاعر التائه، مهما ضل في وديان الوهم القاحلة؛ لأنه جعل مني دواء نفسيا لأشد الناس بؤسا حين قال: «حسنك بكونك بلونك تبهج المقهور» وهل هناك على الأرض أكثر من المقهورين، وأشد تعاسة منهم؟! وقد أضحكني، حتى خشيت على كبدي حين قال: «حطّوك خميلة جميلة فوق صدور الغيد / تسمع وتسرق يا أزرق همسة التنهيد» لم أضحك لأنه رفع من قدري بأن جعلني فوق صدور الغيد، أتقلّب في منازل القمر، بل بالإضافة إلى ذلك، أضحك عليه؛ لأنه قال ما قال والحسد ينفث شواظه في قلبه، لقد كان يتحرق شوقا إلى أن يحل محلي، ولكن أنّى له أن يبلغ سدرة المستحيل؟

كاتب وأديب