آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 11:37 م

أطباء الوطن ”من الجنسين“ مستوىً وإخلاص

سلمان العنكي

الطب مهنة شريفة الأخلاق ذات بُعد إنساني تُمارس بحذر ودقة عند تطبيقها. هي متشعبة الجوانب، متفرعة التخصصات، متجددة كل حين، وتسابق الزمن أكثر من غيرها. تلازمنا منذ الأجنة حتى الوفاة، وهي وسيلة للشفاء ”بإذن الله“. لو تُركنا بدونها لبقي المريض يعاني حتى يموت. إنها أمانة تُحمل بثقل واجباتها المزدوجة، فيتحلى حاملها بالصبر، مُلِمًّا بثقافة مرضاه على اختلاف أعمارهم، عارفًا بعاداتهم، قريبًا من أفكارهم ولهجاتهم، حتى يضع يده على الجرح وموقع الألم. فيتعامل بنفس طيبة مُهيأة مع استيعاب التصرفات غير المقبولة من البعض، التي تصل أحيانًا عند شدة وهجها إلى درجة الحماقة من جهلة تجاه مقدم الخدمة.

”دون شك، من يفعل ذلك يُجازى بموجب القانون ولا يُعذر ولا يُقبل تبريره. فلا نتهور ونقع في المحظور“. ولا ننسى أن المريض يمر بظروف صعبة، يراجع محاولًا التخلص مما ابتُلي به، وأخرى لا يعلم هي موجودة أو ظهرت فيما بعد. ومع متاعب الحياة كدحًا وراء العيش، أنين بالليل، تعب بالنهار، وطأة ظروف عائلية قاسية، فقد أحبة، طرد من عمل، فشل أدوية وعمليات سابقة، كلها توصله إلى درجة فقدان السيطرة على أعصابه، وينتج عنها تصرف عشوائي. هنا تكمن أخلاقيات الطبيب/ة الناجح وتقييمه العالي للحالة والتجاوز بالتنازل عن المطالبة بحقه كلما أمكن ”متى حصل شيء منها“. فيكون عالجه مرتين، عضويًا مما يشتكي ونفسيًا بالتغاضي عن خطئه.

ولكن أيضًا علينا نحن المرضى أن نحترم الصحيين الذين يخدموننا ويحتاجهم المجتمع، كتعاملنا مع الأب والأم والعالم والمعلم والكبير، نقدر جهودهم ومتاعبهم. إنهم يمضون ساعات طوال بأفكار حاضرة لا يُعرف صباحهم من المساء، هجروا الأزواج وحُرموا من متعة الأولاد. هم بشر قد يغفلون بما لا يؤثر على عملهم والعلاج، فلا نحاسبهم على التوافه منها.

لا ننكر أن بعض ”طبعًا من خارج الوطن“ نسبتهم للمهنة ظلم فاضح - ضعف أداء وسوء خلق وأسلوب محبط عند شرح الإصابة -، وهذا الوصف لا يطبق على البقية، التعميم إساءة لفئات تميزت بالمبادئ والقيم. بينهم الذي أنقذ حياة إنسان وآخر شرّف وطنه بطيب سمعته، ورأينا من يعامل الصغار كأولاده والكبار كآبائه.

وللأسف، مشاهد لمواقف صدرت من أناس مخجلة لا داعي لها، لأنه لم يُعطَ أو يُفعل له ما يريد، يخلق مشكلة، يجادل بالتي هي أسوأ، تأخر وقت دخوله العيادة، أقام الدنيا معتبرًا فعله رجولة. جاء إلى قسم الطوارئ وأمامه حالات أكثر حرجًا ”حمراء وسوداء“ لها الأولوية، إن كانت منشأة حكومية أو أهلية، يسابق للدخول. لا تتعجل يا هذا، إنها لغيرك كما هي لك، فحافظ على الآداب، تجمل بالأخلاق، وارتق بها ليُبالغ لك النصح، تحلَّ بالحكمة.

عندما تجلس عند رجل دين تحترمه، وإذا سألته تأخذ بقوله، كذلك هنا التزم بما تُؤمر به واتبع التوجيه. تأتي بفني لإصلاح ما فسد في بيتك، إن عاملته بالإساءة تركك دون إكمال أو استكثر عليك الصدق في إنجازه، كيف بمن هو الأهم لصحتك؟

وإجمالًا نقول:

أولًا: أطباء الوطن، إن تخرجوا من جامعات داخلية أو خارجية، هم لذلك أهل، وما وصلوا إلا بعد التمحيص والتدقيق. ينافسون على مستوى العالم، يقومون بإجراء العمليات المستعصية، نُشرت لبعضهم إنجازات ومشاركات عالمية وبراءات اختراع. يتحملون المتاعب للقيام بما كُلِّفوا به، يخدمون بضمير وإخلاص، فلا ننساهم من الشكر والإشادة والثناء، كل بقدره.

ثانيًا: الطبيب/ة الناصح في عطائه لا يفرق بين الأجناس البشرية والمذاهب السماوية والوضعية، الكل سواسية. [أتذكر موقفًا كنت مع إحدى بناتي الطبيبات في إمارة دبي ”حي المرقبات“، وإذا على بُعد أمتار منا سقطت امرأة أجنبية على الأرض، لتسرع إليها ابنتي، وبادرت لمعالجتها بالإسعافات الأولية حتى أفاقت]. ولما شكرها المتواجدون قالت: ”مهنتي وديني يأمراني بذلك“.

ثالثًا: علينا كمُراجعين، عندما نتذكر ما لنا، لا ننسى ما علينا. كما ضمن النظام حقوقنا، حمى للطرف الآخر حقوقه - الطبيب/ة ومن في حكمه -. فلا يُسمح بالتعرض لأحدٍ بأذى لفظي أو تهديد، فضلًا عن الاعتداء بالضرب، مهما كانت الأسباب. ”وإذا استدعى الأمر، بإمكان إدارة المجمع الصحي مراجعتها وقت الحاجة“، حتى لا نقع في جريمة تتسع دائرتها إلى اللوم فالمساءلة ثم العقاب. يجب أن نُعامل بما نحب أن نُعامل به لو كنا مكانهم.

يقول: ”عالجني عمرو ولم أستفد، وآخرون من زيد شفوا“. المعالج مجرد وسيلة، نعم يجب عليه الاجتهاد والتأكد والحرص لأنه يتعامل مع أرواح بشرية، إنما في النهاية الله سبحانه المعافي، يرزق العقيم، يميت الصحيح، يشفي العليل، يطيل عمر الخديج، يقبض إليه الطفل الرضيع. حال أعمارنا منا من لم يبصر النور أو يعيش ساعة، ومن يصل قرنًا وأزيد، والخالق المتصرف واحد.

الأفضل لنا ترك المقارنة بين أمور ليست بيدنا تغييرها، واتباع الصبر ومبدأ التسامح بين الطرفين لنتجنب الكثير من المشاكل. وليكن شعارك عند مرضك دومًا: ”هديل حمامة الحي دواء للأدواء وشفاء للعلل - بإذنه تعالى“.