آخر تحديث: 22 / 11 / 2024م - 1:35 ص

الخشية من نظرة الطبيب الدونية للمرض تمنعه من التعبير عن معتقداته المتعلقة بالصحة حتى لو كانت صحيحة

عدنان أحمد الحاجي *

2 أغسطس 2024

المترجم: عدنان أحمد الحاجي

Feeling Judged By Your Doctor? You Might Be Right

August 2,2024

مقدمة غسان علي بوخمسين، صيدلاني أول، مستشفى جونز هوبكنز

يحتاج كل من يتعامل مع الجمهور أن يتحلى بعدة مهارات، تمكنه من التواصل والتعاطي الفعال المناسب معهم، وأخص بالذكر هنا الممارسين الصحيين، فبحكم نوعية النشاط الممارَس وهو التعاطي مع الشأن الصحي للناس، حيث يكون المرضى في أضعف حالاتهم البدنية والنفسية، وبحاجة كبيرة للرعاية واللطف في التعامل والتفهم لوضعهم الصحي البدني والنفسي.

ينبغي الإشارة إلى أن الممارسين الصحيين ليسوا بدعاً من الناس، فهم كغيرهم قد يتأثرون وينفعلون ويتفاعلون بما يرون ويسمعون، وقد تصدر منهم ردات فعل غير ملائمة أو غير مهنية، لكنهم مع ذلك مطالبون أكثر من غيرهم بالصبر والتريث وسعة البال وتفهم مشاعر مرضاهم وانفعالاتهم. كما أن عليهم أعطاء فرصة لمرضاهم لو أرادوا ابداء بعض معتقداتهم وآرائهم فيما يتعلق بالممارسة الصحية - أو بوصفات الأدوية خاصة - أثناء زياراتهم للعيادة وعدم ازدرائهم لو لم تكن صحيحة من الناحية الطبية وعدم إظهار الانزعاج لو بدا من مرضاهم تصرفات خاطئة أو غير ملائمة أثناء أدائهم لممارساتهم الصحية.

ولكن من جهة أخرى وبحكم كوني ممارساً صحيًا وعلى احتكاك مباشر بالمرضى، ينبغي من المريض ومرافقيه أن يتحلوا بالمسؤولية والوعي بأهمية احترام تخصص وجهد ووقت الممارس الصحي، فالممارس الصحي متواجد لخدمة المرضى ورعايتهم الرعاية الكاملة، ولكنه يملك طاقة ووقت محدودين، فلا يصح تضييع وقته وجهده بطرح أسئلة أو طلبات خارجة عن الذوق المهني وليس لها علاقة برعاية المريض.

النص المترجم:

من المفترض أن يكون المريض صريحًا حين يراجع عيادة طبيبه ويكشف عن كل الأعراض والسلوكيات والاعتقادات المتعلقه بصحته [والاعتقادات هي ما يعتقده عن صحته وما يؤثر فيها وما يعتبره سببًا لمرضه وعن طرق التغلب على مرضه، حتى لو كانت مستقاة من الثقافة الشعبية وخاطئة [1] ]. وبدون هذه الصراحة سيكون من الصعوبة بمكان بالنسبة للطبيب أن يشخص المرض ويعالجه بشكل فعال أو يقدم استشارة للمريض ويثقفه بخصوص عنايته بنفسه بشكل أفضل في المستقبل.

هناك مشكلة واحدة لا غير: دراسة جديدة [2]  أجراها معهد ستيفنز Stevens للتكنولوجيا تبين أن الكثير من الناس يعتقدون أنهم قد يتعرضون للازدراء لو شاركوا بمعتقداتهم الخاطئة مع فريق الرعاية الصحية - وأن الأطباء يتخذون بالفعل آراء سلبية تجاه المريض الذي يكشف لهم عن معتقدات غير صحيحة أو غير معقولة.

تقول الدكتور سامانثا كلاينبرغ Samantha Kleinberg، الباحث الرئيس في المشروع: ”الناس يشعرون بالقلق من نظرة أطبائهم إليهم بازدراء، وقد تبين أن هذا مصدر قلق معقول بما في الكلمة من معنى.“ ”تفيد دراستنا بأن الأطباء يحكمون على المرضى بقسوة وينظرون إليهم نظرة دونية لو شاركوا بمعلومات أو بمعتقدات لا يتفقون معها.“

لمعرفة كيف يفكر الناس في مشاركة المعلومات مع الأطباء، قامت الدكتور كلاينبرج والمتعاونون معها باستطلاع رأي أكثر من 350 مريضًا وأكثر من 200 طبيب، وسألوا كيف ينظرون إلى الذين يحملون طيفًا من المعتقدات الطبية المختلفة. وتراوحت تلك المعتقدات بين معلومات صحيحة وأقوال غير صحيحة من عدة أنواع: بعضها كان معقولًا «مثل الاعتقاد بأن تناول السكر يسبب مرض السكري»؛ وكان بعضها غير معقول «مثل الاعتقاد بأن عصير الجزر يعالج مرض السكري»؛ وكان بعضها عبارة عن الاعتقاد في نظريات المؤامرة [3]  «مثل الاعتقاد بأن شركات الأدوية هي التي تتسبب عن قصد في نشر مرض السكري لزيادة عدد المرضى الذين يحتاجون إلى الأنسولين». شارك الدكتور أونور أسأن Onur Asan، من معهد ستيفنز للتكنولوجيا أيضًا، في تأليف الدراسة مع الدكتور جيسيكا ك. مارش Jessecae K. Marsh، وهي متعاونة من جامعة ليهاي Lehigh.

يقول الدكتور أسان: ”لقد فاجأنا المستوى الذي وصل اليه الأطباء في نظرتهم السلبية إلى المرضى الذين يتبنون معلومات مضللة، ويوحي هذا المستوى بأن الأطباء قد يحتاجون إلى دعم وموارد أخرى لعلاج هؤلاء المرضى بشكل فعال“.

كلما كانت المعتقدات الصحية للشخص غير معقولة، كلما كان النظر إليها أكثر سلبية من قبل كل من الأطباء والناس غير المتخصصين. تقول الدكتور كلاينبيرج: ”لقد وجدنا أن المشاركين في الدراسة ينظرون بشكل سلبي إلى الناس إذا كانوا يحملون معتقدات خاطئة، لكنهم ينظرون إليهم بشكل أكثر سلبية لو كانوا يحملون معتقدات غير معقولة أو تنطوي على الاعتقاد في نظريات المؤامرة“.

ولكن من المثير للدهشة أنه كان هناك اختلاف بسيط بين استجابات الأطباء وبين استجابات الناس غير المتخصصين أو استجابات المرضى الذين يملكون خبرات «تجارب» شخصية [مثل المصابين بأمراض مزمنة أو ممن هم على دراية بتعقيدات الرعاية الصحية]. ووجد الفريق أنه حتى هؤلاء المرضى، المصابين بحالات صحية مزمنة ممن هم على دراية بتعقيدات الرعاية الصحية، كانوا غير متسامحين للغاية مع الذين يحملون معتقدات خاطئة. تقول الدكتور كلاينبيرج: «كنا نظن أن المصابين بالسكري قد يكونون أكثر تعاطفًا مع من يحملون معتقدات خاطئة، لكن الأمر لم يكن كذلك على الإطلاق».

من المرجح جدًا أن الأطباء أيضًا ينظرون إلى الناس بشكل سلبي حين يعبرون عن معتقدات خاطئة بشأن الأمور المتعلقة بالصحة. تقول الدكتور كلاينبيرج: «لقد كانت تلك إحدى نتائج الدراسة المفاجئة، وبصراحة كانت محبطة». "لا يُتوقع من غير المتخصصين أن يملكوا خبرة طبية، لذلك يتعين على الأطباء في كثير من الأحيان تصحيح المعتقدات الخاطئة حول القضايا الصحية. لا ينبغي أن يكون من شأن هذا أن يدفع الأطباء إلى النظر إلى المرضى بسلبية أكثر.

تثبت الدراسات الاستقصائية أن غالبية الناس يحملون على الأقل بعض المعتقدات المتعلقة بالصحة غير الصحيحة، مثل الاعتقاد الخاطئ بأن تناول فيتامين C سيعالج نزلات البرد، أو أن تناول وجبة خفيفة محلاة بالسكر يمكن أن تسبب مباشرةً مرض السكري، مما يزيد من أهمية أن الناس يشعرون بعدم التردد في التماس آراء الخبراء. تقول الدكتور كلاينبيرج: ”نحن نعتمد على أطبائنا في تثقيفنا ومساعدتنا على التغلب على هذه المفاهيم الطبية الخاطئة - ولكن هذا ممكن فقط لو كنا قادرين على التعبير عن أفكارنا بحرية، دون خوف من الحكم علينا والنظر الينا نظرة دونية“.

جزء من المشكلة هو أنه ليس من الممكن للناس العاديين غير المتخصصين عادةً معرفة ما إذا كانت معتقداتهم صحيحة أم غير صحيحة، أو ما إذا سيُنظر إليها على أنها معقولة أو غير معقولة. وهذا يعني أنه من المرجح أن يحجب المرضى حتى المعتقدات الصحيحة والمعقولة وذلك للحد من احتمال أن ينظر إليهم الطبيب نظرة سلبية.

تقول الدكتور كلاينبيرج إن هناك حاجة إلى مزيد من الدراسات لاستكشاف الطرق التي تؤثر بها هذه التصورات السلبية في التفاعلات بين المريض والطبيب في العالم الواقعي. وتضيف أنه من الواضح أن الأطباء بحاجة إلى بذل المزيد من الجهد لجعل مرضاهم يشعرون بالأمان والراحة أثناء التفاعلات الروتينية [وذلك بعدم النظر إليهم بازدراء لو عبروا عن معنقداتهم الخاطئة المتعلقة بالأمور الصحية].

تقول الدكتور كلاينبيرج:“إذا أردنا أن يكون هناك تواصل لا لبس فيه بين المرضى والأطباء، فنحن بحاجة إلى تغيير الأسلوب الذي يفكر بها الأطباء عن المرضى الذين يحملون معلومات مضللة”. ”يحتاج الأطباء إلى التغلب على نزعتهم إلى النظرة إلى المرضى بسلبية، ولكن عليهم أن يشجعوا مرضاهم على التعبير عن أفكارهم - حتى لو كانت غير صحيحة - بحرية أكثر بكثير مما هو متاح حاليًا.“