آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 2:20 ص

من يضحك، يدوم

رائدة السبع * صحيفة اليوم

يقول المثل النرويجي: الحياة قصيرة جدًا لتكون غاضباً، ومن يضحك، يَدوم.

في رحلتي للقراءة اليومية عن السعادة والفرح والحياة توقفت في النرويج بين بيرغن وأوسلو وراقت لي فلسفتهم في الحياة وكيف يديرون عوالمهم..في عالم مليء بالقيود تبرز الحرية نجمة تنير دروب الساعين إلى الهروب بعيداً..

هل قلت الحرية! تلك القوة السحرية التي تحرر العقول من أسر التقاليد البالية، وتفتح أمامها آفاقًا جديدة من الإبداع والتجدد، إنها رحلة تبدأ من الذات، حيث يبحث الإنسان عن حقيقته وجوهره.

في هذه الرحلة الفلسفية، تأتينا النرويج بمفهومها للفرايلختسيف، - Friluftsliv - هذا المفهوم الفريد الذي يجسد الفلسفة النرويجية للحرية، هنا، وتحمل معها رسالة حب وسلام وهي ليست مجرد فكرة، بل هي دعوة للحياة بصدق وأصالة، تلامس الروح وتعانق الفكر.

«الفرايلختسيف»، وهو مصطلح ينسج خيوطه من الحرية والوجود الإنساني بمهارة فنان بارع ويترجم إلى «فلسفة الحرية»، ليس مجرد مفهوم فلسفي عابر، بل هو رؤية شاملة للحياة تعكس العلاقة الحميمة بين الإنسان والطبيعة، وبين الذات والمجتمع.

نشأت هذه الفلسفة في حضن طبيعة النرويج الساحرة، حيث الجبال الشامخة والبحيرات الهادئة تغذي الروح بالصفاء والسكينة. هنا، يُدرك الإنسان معنى الحرية الحقيقية كضرورة وجودية تُشكّل أساس هويته. الفرايلختسيف تعلّمنا أن الحرية ليست مجرد غياب القيود، بل هي حالة ذهنية تتيح للفرد أن يعيش بصدق مع ذاته ومع الآخرين.

الكتّاب النرويجيون، مثل كنوت هامسون وهنريك إبسن، نسجوا بأقلامهم عوالم من الخيال والواقع، حيث تتجلى الحرية كقوة محركة للإبداع والتغيير. في رواياتهم ومسرحياتهم، نجد الشخصيات تبحث عن ذواتها في مواجهة التحديات والقيود المجتمعية، مما يعكس الرؤية الفلسفية العميقة للفرايلختسيف.

إن الفرايلختسيف لا يتوقف عند حدود الأدب والفكر، بل يمتد ليشمل الفنون الجميلة والموسيقى، الفنان النرويجي، من خلال لوحاته وموسيقاه، يعبر عن حب الطبيعة والانتماء إليها، ويستلهم منها قوة الحرية والإبداع. هذه الفلسفة تجد تجسيدها في الأعمال الفنية التي تحمل بين طياتها روح الفرايلختسيف، مما يخلق تواصلاً فريدًا بين الإنسان وعالمه.

في خضم هذا التناغم، تأتي الفرايلختسيف لتعلمنا درسًا هامًا: أن الحرية ليست هبة تُمنح، بل هي حالة تُبنى وتُعاش. إنها دعوة للتأمل العميق في معاني الوجود، وللعيش بتوازن بين الفرد والمجتمع، بين الرغبات الشخصية والمسؤوليات الجماعية.

* يقول أدونيس

في طريق الحرية نبحث عن أنفسنا وفي طيات الغيم نعانق الأفق.