آخر تحديث: 22 / 11 / 2024م - 1:35 ص

المجالس الحسينية بين الفوائد المتنوعة والنظرة الاجتماعية

إبراهيم البحراني *

تُعد المجالس الحسينية جزءًا لا يتجزأ من الثقافة الإسلامية الشيعية، حيث يتم فيها إحياء ذكرى استشهاد الإمام الحسين وأهل بيته ”عليهم أفضل الصلاة والسلام“، وتُعقد هذه المجالس في الحسينيات والمنازل لتجديد العهد والولاء لقيم الحق والعدالة.

نظرة المجتمع:

ومع ذلك، هناك شريحة من المجتمع تنظر إلى هذه المجالس بمنظور غير إيجابي، معتبرةً إياها مجرد تكرار لمواضيع قديمة ومستهلَكة، ومضيعة للوقت. وقد فوجئت عندما سمعت هذا الرأي من بعض الأصدقاء عند دعوتي لهم لمرافقتي إلى مجلس حسيني في بيت أحد معارفنا الذي كان يقرأ العشرة الثانية. هذه النظرة السلبية أثارت في نفسي تساؤلات عدة حول الفائدة الحقيقية والروحانية لهذه المجالس المباركة وأهمية إحياء ذكراها.

فوائد حضور المجالس الحسينية:

أولاً: حث الأحاديث والروايات الشريفة:

حينما ننظر إلى روايات أهل البيت بشأن المجالس الحسينية، نجد حثًا واضحًا على حضورها وإحيائها. فقد قال الإمام جعفر الصادق : ”أحيوا أمرنا رحم اللهُ مَنْ أحيا أمرنا“. وفي حديث آخر، يقول الإمام الصادق لفضيل: ”تجلسون وتحدثون؟ قال: نعم جعلت فداك، قال: إن تلك المجالس أحبها، فأحيوا أمرنا يا فضيل، فرحم الله من أحيا أمرنا، يا فضيل! من ذكرنا أو ذكرنا عنده فخرج من عينه مثل جناح الذباب غفر الله له ذنوبه ولو كان أكثر من زبد البحر“. هذه الرواية تشير إلى أن هذه المجالس ليست مجرد تجمعات عابرة، بل هي مناسبات روحية تجلب البركة والمغفرة للحاضرين.

جاء في حديث عن رسول الله ﷺ: ”إذا رأيتم روضة من رياض الجنة فارتعوا فيها، قيل: يا رسول الله، وما روضة الجنة؟ فقال: مجالس المؤمنين“. هذا الحديث يشدد على أن المجالس التي يُذكر فيها أهل البيت هي بمثابة روضات من رياض الجنة، مما يبرز الأهمية الروحية الكبيرة لها.

وقال الإمام الرضا : ”من جلس مجلسًا يُحيا فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب“. مما يعني أن حضور هذه المجالس يسهم في إحياء القلوب وإبقائها نابضة بالحياة الروحية.

ثانيًا: تعزيز الوحدة والتلاحم الاجتماعي:

تسهم هذه المجالس في تعزيز الوحدة والتلاحم بين أفراد المجتمع، حيث يجتمع الناس من مختلف الفئات والأعمار على حب أهل البيت واستذكار تضحياتهم. وهذا يعزز الروابط الاجتماعية ويخلق بيئة من الدعم والتآزر.

ثالثًا: فرص التعلم والتثقيف:

تقدم المجالس الحسينية فرصة للتعلم والتثقيف، حيث يتم من خلالها عرض قصص تاريخية ومواقف أخلاقية تُستخلص منها الدروس والعبر. كما تُطرح فيها موضوعات دينية وثقافية تسهم في رفع مستوى الوعي والإدراك لدى الحاضرين.

رابعًا: تجديد العهد مع قيم الحق والعدالة:

تعد هذه المجالس مناسبات لتجديد العهد مع مبادئ الحق والعدالة التي جسدها الإمام الحسين . هذا التجديد يعزز الإصرار على التمسك بهذه القيم وتطبيقها في الحياة اليومية.

خامسًا: التأمل والتفكر الروحي:

تُعطي المجالس الحسينية فرصة للتأمل والتفكر في النفس وأحوالها، مما يسهم في تطهير الروح وتنقيتها من الشوائب الدنيوية. هذه اللحظات التأملية تساعد الفرد على مراجعة نفسه وتصحيح مسار حياته بما يتوافق مع تعاليم الدين.

الإشارات المعنوية:

أولاً: اللذة الروحية والاطمئنان النفسي:

من أعظم ما يحصل عليه المستمع بعد الانتهاء من القراءة الحسينية هو نشوة ولذة معنوية واطمئنان قلبي ونفسي وراحة، وبالخصوص إذا ذرفت عينه بالبكاء والحزن أثناء ذكر مصيبة الإمام الحسين . هذه اللذة الروحية العميقة تجدد في النفس الشعور بالتقرب إلى الله وتعزز الروابط الروحية مع أهل البيت .

ثانيًا: الألطاف والبركات والرحمة الإلهية:

ضمن لنا الإمام الصادق ووعدنا أن من يحضر هذه المجالس سوف تشمله الرحمة الإلهية المباركة، كما ورد في الرواية عنه : ”رحم الله من أحيا أمرنا“. هذا الرواية الشريفة تبين لنا مدى أهمية هذه المجالس في جلب الرحمة الإلهية والبركات على المشاركين فيها.

ثالثًا: الألطاف من ولي النعمة صاحب العصر والزمان :

بحضورك هذه المجالس، ترضي إمامك الحجة وكذلك نبيك وأهل بيته. كلنا نعتقد اعتقادًا جازمًا أن الأئمة الطاهرين، وبالخصوص سيدتنا فاطمة الزهراء ، يكونون حاضرين ويبكون على سيد الشهداء الإمام الحسين . إن هذه المشاركة تعمق شعورك بالولاء والارتباط العاطفي والروحي مع أهل البيت.

رابعًا: المواساة للنبي وأهل بيته :

حضور هذه المجالس يعبر عن مودة حقيقية ومواساة للنبي محمد ﷺ وأهل بيته الطاهرين، مما يحقق لك القربى والرضا الإلهي، وهذا ما صرح به القرآن الكريم في آية القربى: ﴿قل لا أسألكم عليه أجرًا إلا المودة في القربى .

خامسًا: شمولية الدعاء وقضاء الحوائج:

كذلك قد يشملك الدعاء في آخر اللقاء حيث تكون هناك دقائق روحانية ترفع الأيدي بالدعاء والتوسل لقضاء الحوائج وشفاء المرضى وتيسير الأمور وطلب المغفرة والرحمة للحاضرين.

في الختام:

إن حضور المجالس الحسينية ليس مجرد تقليد متوارث، بل هو عمل عبادي وروحاني يحمل في طياته العديد من الفوائد والإشارات المعنوية التي تغذي الروح وتعمق الإيمان. ومن خلال المشاركة بنية صادقة وإخلاص، نستطيع أن نجني لذة روحية، نحصل على الألطاف والبركات، ونشعر بالقرب من إمامنا الحجة وأهل البيت . لذا، فإن دعوة أصدقائك وأحبائك لحضور هذه المجالس يمكن أن تكون دعوة لنيل هذه الفوائد الروحية والنعم الإلهية العظيمة، بشرط الإخلاص والنية الصادقة.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
ابو حيدر
[ القطيف ]: 9 / 8 / 2024م - 2:20 م
مشكلة كبيرة أن توصف المجالس التي كانت مدارس تعلم القراءة والكتابة والاخلاق بالقديمة واضاعة للوقت .. فهذه المنابر هي من علمتنا احترام بعضنا البعض واحترام القوانين والتسامح !
وفي الحديث او في الروايات أن ايام زيارة الامام الحسين (,ع) لا تحسب من العمره ؛؛؛
يعني لو ان شخصا ذهب لزيارة الأمام لمدة شهر ؛ وهذا الشخص باقي في عمره شهر ويموت (بأمر الله) لا يحتسب هذا الشهر من عمره وممكن يطول عمره باذن الله !
ومثلها الجلوس في مدارس العلم النافع ليست اضاعة للوقت بل هي استثمار كبير للوقت وساعة يتعلم فيها الانسان الأخلاق او أي علم نافع تعادل خيرات من السنين !
ولا توجد حضارة سطرها التاريخ الا بالعلم والتواضع .. والتكبر تدمر الحضارة ??
كما قال صاحب المزرعة (ما أظن أن تبيد هذه أبدأ) ولكن الله ابادها لتكبره (سورة الكهف)

‏‏‏مختص بأمراض الحيوانات
موظف /أمانة المنطقة الشرقية