البعد العاطفي للألم
يعتقد الكثير بأن للألم بُعداً واحداً فقط وهو الألم الجسدي الناتج من إصابة وتلف نسيجي، بينما في الحقيقة إن للألم أبعاداً متعددة ومركبة ومزدوجة ومنها البعد الحسي المتمثل في شدة الألم والبعد العاطفي المتمثل في الانزعاج وعدم الشعور بالراحة. وإن لكل بعد منهم عوامل تحدد ماهيته وأسباب ظهوره المحتملة والمؤثرات المؤدية لتهيجه.
فالألم أكبر من كونه مجرد وصف لوجود تلف نسيجي أو مرض حتمي في الجسم، وإنما هو سلوك تحفيزي وقائي من أي خطر يهدد أمان الجسم أياً كان مصدره.
وبالتالي بحسب الأبعاد المتعددة للألم، إن وجود ألم شديد لا يعني بالفعل مشكلة أو مرض خطير يستدعي الذعر والبحث المتواصل عن سبب وتشخيص للمرض.
فالألم هو تجربة مزدوجة الأبعاد تتكون من البعد التحفيزي العاطفي والبعد التمييزي الحسي، لأن الفرد يستطيع أن يحس الألم ويحدد نوعيته وشدته ومكانه وزمن حدوثه.
ولكن كيف فسرت الدراسات العلمية البعد العاطفي للألم؟!
البعد العاطفي هو أشبه بالمشاعر التي تتحكم في سلوكيات الألم وتجعله مقبولاً أو شديد الانزعاج مثل الشعور بالقلق والتوتر والإرهاق والتعب وكثرة التفكير وعدم وجود السند والاحتواء.
لذلك على سبيل المثال قد نسمع البعض يعبر بقوله: إن ألم الأكتاف المزمنة لديه تكون مقبولة الشدة في الألم حتى يتعرض لموقف مزعج أو توتر فيتهيج حينها الألم بشكل ملحوظ ومزعج جداً.
وقد يرتبط ظهور السلوك العاطفي للألم ببعض الأعراض الأخرى التي قد لا يتوقع المريض بأنها متزامنة مع مشكلته كونها مجرد ألم كتف أو ظهر مزمن مثل الشعور بخفقان في القلب وضيق في النفس واضطرابات في النوم ووجع في البطن وعدم المقدرة على التركيز واتخاذ القرارات.
وكل هذه الاضطرابات قد تظهر عندما يشعر الفرد بأن مشاعره وطريقة تعبيره اتجاه المواقف هي المتحكم الأول في مشكلته الصحية، خصوصاً عندما يتعرض الشخص للضغوطات والصدمات العاطفية ولا يجد من يحتويه ويسنده في فترة تهيج الألم مع كل الظروف الضاغطة التي يمر بها في الحياة.
ونتيجة لذلك قد يزيد مستوى إفراز هرمونات الضغط العصبي والإجهاد عن المعدل الطبيعي فتُضعف جهاز المناعة وتتسبب في أعراض مشابهة للجلطات فتجعل الشخص في حالة ذعر لشعوره بوجود تهديد على صحته.
فهنا يصبح السؤال الأهم للمريض أثناء التشخيص لمعرفة هذا البعد هو: «إلى أي مدى قد أثر ألمك على أمورك الحياتية ونشاطاتك المجتمعية؟» أكثر من مجرد سؤاله عن فقط «ما هو شدة ألمك؟»
لأننا نحتاج أن نعرف تفاعلات الشخص في التجربة الحياتية للألم وحينها سنستطيع وضع الاستراتيجات والحلول العلاجية المناسبة للتعامل مع سلوكيات الألم المرتبطة بالمواقف اليومية المتكررة والمؤثرة لدى المريض، لأن الدماغ يعالج العواطف والمشاعر المتعلقة بالألم مهما كان نوعها وسببها.
وبحسب الدراسات العلمية فإن أحياناً البعد العاطفي للألم أكثر قابلية للتعديل والشفاء من البعد الحسي للألم أو المرتبط بوجود إصابة أو سبب رئيسي له ولكن كل ما يحتاجه المريض هو تقبل الألم والأهم تفهم حالة المريض لمن هم حوله حتى يساندوه في تخطي هذه المرحلة الصعبة.
وبالتالي فإن الألم المزمن أكثر من كونه مجرد ألم جسدي فهو في الواقع مزيج من اضطراب عصبي وخلل عاطفي يؤثر بعمق على كفاءة الأمور الذهنية والحياتية لمريض الألم المزمن..
فرفقاً بمرضى الألم المزمن وبآلامهم ومشاعرهم..
ودمتم بصحة وعافية وأمل..