ملامح تاريخية عن الطبابة والأوضاع الصحية في الأحساء.
الكتاب: الطبابة والأوضاع الصحية في الأحساء… ملامح تاريخية
الكاتب: الشيخ محمد علي الحرز
الناشر: مؤسسة الانتشار العربي - بيروت - لبنان
الصفحات: 358 صفحة، قياس
«17*24 سم»
سنة النشر: ط 1- سنة 1446 هـ -2024 م.
يعد الطب حاجة تفرضها الطبيعة البشرية المجبولة على القوة والضعف والصحة والمرض، وكان الإنسان القديم يعزي بعض حالات المرض إلى الجوانب الروحية أو الشياطين أو السحر أو الإرادة الإلهية، فكان العلاج متوافقاً معها بالتوجه إلى الجانب الروحي والأذكار، إلا أن هذا سار موازياً للعلاج العلمي المبني على التجارب والخبرة البشرية التي تختزل خبرتها وخبرات السابقين لتخطي الأزمات الصحية حتى بلغ العلم مبلغه.
ثم دخلت الأذكار الواردة في النصوص الدينية، والتي بلا شك لها الأثر على رفع معنوية المريض وتماثله للشفاء، مع عدم إهمال أو تغافل للعلاجات الطبية التي عادة ما تكون مأخوذة من الطبيعة لكل منطقة أو تجلب من المناطق المحيطة والتي ذكرها الأطباء في مصنفاتهم ورسائلهم الطبية القديمة.
فكان لكل بلد كنتيجة تراكمية بمرور الوقت تاريخها الطبي والعلاجي الذي بناه أبنائها بتجاربهم وخبراتهم والاطلاع الواسع على العلوم والمعارف الطبية، فمنها ما هو في غاية العراقة والقدم، ومنها البدائي الذي يحتاج إلى تطوير، وهذا مرتبط بالتاريخ الحضاري والثقافي لتلك البلدان، وهمة أبنائها ورجالاتها، ومدى الإقبال على العلوم الطبية فيها، وما تحمله من إرث تاريخي في هذا الجانب عبر الزمن.
وهذا الأمر لو أجريناه على منطقة الأحساء نجد حالها كغيرها من المناطق الأخرى التي لا يمكن القول إن تاريخها الطبي كبير وثري، ولكن خلف أعلامها مجموعة من الجهود والآثار التي هي محل اهتمام منذ العصور القديمة، ولعل أقدم مصنف طبي أحسائي تطرق له الباحث الشيخ الحرز خلال البحث يعود إلى القرن التاسع الهجري للشيخ أحمد بن علي بن أبي جمهور الأحسائي، ولعل هناك جهوداً سبقته على مستوى العملي والنشاط الطبي.
وفي الأحساء مع تتبعي للحراك العلمي فيها لأكثر من ثلاثة عقود من الزمن وجدت الكتابات لتاريخها الطبي خجلة وسريعة، عدا تلك الدراسات والبحوث الجامعية التي ارتبطت بالتزامات محددة وأغفلت البعض الآخر، رغم تضمنها الجديد، إلا أن المسألة الصحية والطبية في الأحساء لا توفيها حقها رسالة أو رسالتين، وإنما تحتاج إلى مجموعة من الكتب والرسائل العلمية لتغطية جوانبه وإشباع موضوعه.
فهي لا تقل أهمية وشأناً عن غيرها من حيث الشغف العلمي وحب المعرفة والاطلاع، خاصة إن العلوم الطبية مسألة ضرورية وملحة تفرضها الحاجة والطبيعة ومتطلبات الاستمرار في الحياة، فبرز فيها من مارس مهنة الطب من خلال التعلم والممارسة، ومنهم من عنى بالقراءة والمطالعة بالكتب الطبية سواء عبر شراءها أو نسخها أو غيرها من السبل والوسائل العلمية التي تسهم في البناء المعرفي والعلمي لديهم.
اكتنف البحث مجموعة من الصعوبات من أهمها:
* قلة المصادر التي تناولت الأوضاع الصحية والطبية في الأحساء من أمراض وأوبئة وطرق علاج.
* ندرة الوثائق المحلية التي تعرضت للأمراض والمشاكل الصحية في الأحساء عدى النزر اليسير.
* غفلة المصادر المحلية التاريخية عن التاريخ الاجتماعي وتركيزها على التاريخ العلمي والسياسي، بينما أعرضت عن الحياة في الشارع العام عدى ما تضمنته المقابلات من أوضاع صحية وأشهر من عرف بممارسة الطبابة فيها.
رغم شح المصادر التي تناولت الأوضاع الصحية والطبية في الأحساء، فإنه يمكن تنقسم المصادر التي تمّ اعتمادها المؤلف في البحث إلى ثلاثة أقسام:
أولاً: المخطوطات: وهي المصنفات الطبية الأحسائية، وقد تناولها في كتابه عبر التعريف بها فكان من أهمها:
كتاب الرحمة في الطب والحكمة في الطب أو ترتيب الغافقي للشيخ أحمد بن علي بن أبي جمهور الأحسائي، ثم كشف الأخطار في طب الأئمة الأطهار^، للسيد شمس الدين بن محمد الأحسائي، ثم رسالتين في الطب للشيخ أحمد بن زين الأحسائي، ورسالة تلخيص كتاب الرحمة في الطب والحكمة للشيخ أبو بكر بن محمد الملا، وكلها تمتلك خصائص مختلفة وصفات عن طرق العلاج في الأحساء في العصور القديمة، وقد بسط المؤلف التعريف بكل رسالة.
ثانياً: فهارس المخطوطات:
تعرف الباحث الحرز من خلالها على المصنفات الطبية الأحسائية ومن كان لهم اهتمام بنسخ وتملك الكتب الطبية، وهي تعكس توجهه واهتماماته الصحية، فكانت من المصادر المعتمدة في الكتاب، ومن خلالها تعرف على الكثير من أرباب النشاط الصحي في الأحساء، وإن كانت غير وفية في الكثير من الجوانب المهمة.
ثالثاً: الكتب المطبوعة:
رغم كثرة المصادر المعتمدة في البحث، فمعظمها كانت إشاراتها بسيطة ومحل الفائدة محدودة، عدى مجموعة من المصادر التي تناولت الموضوع بشكل مباشر أو تضمنت تفصيلات مهمة وهي:
- تاريخ الفاخري: تأليف محمد بن عمر الفاخري «ت: 1277 هـ»، الذي تناول فيه عدد من الأوبئة التي عصفت بالمنطقة فأبادت الكثير من أهلها.
- صدمة الاحتكاك حكايات الإرسالية الأمريكية في الخليج والجزيرة العربية 1892- 1925 م، تضمن مجموعة من المعلومات الهامة عن الإرسالية ودورها في شرقي الجزيرة العربية.
- الأوضاع الصحية في متصرفية الأحساء 1288 - 1331 هـ، من رسالة ماجستير غير منشورة من إعداد: نادية بنت محمد العنزي: تناولت مجموعة من الموضوعات المهمة، الفصل الأول: الأمراض والأوبئة وطرق علاجها في متصرفية الأحساء، والثاني: تاريخ إجراءات مكافحة الأمراض والأوبئة، والثالث: أثر الأوضاع الصحية في متصرفية الأحساء على الأحوال السياسية والإدارية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
- خدمات أرامكو الصحية في المنطقة الشرقية «1355 - 1384 هـ / 1936 - 1964 م»، بحث لنيل درجة الماجستير في التاريخ، للباحثة هناء بنت محمد الحواج، وهي بحق من أهم الدراسات حول المنطقة فقد تقصت الباحثة الكثير من المصادر المرتبطة بالتاريخ الطبي في الأحساء، وتعد من أهم الدراسات في حقلها.
- الطب الشعبي في الأحساء: للأستاذ أحمد عبد الهادي المحمد صالح، وهو مقال ثري بالمعلومات، استفاد منه الباحث الحرز كثيراً في تحديد الأمراض والعلاجات المستخدمة في المنطقة، فكان الانطلاقة في الكتاب.
رابعاً: كتب الرحلات: ونعني به رحلات الغربيين الذين قدموا إلى الأحساء إما لأغراض طبية، أو علمية أو استعمارية، فكانت لتقريرهم الدقيقة إفادة في بيان الوضع الصحي في الأحساء، ومنها:
- أطباء من أجل المملكة عمل مستشفيات الإرسالية الأمريكية في المملكة العربية السعودية 1913 - 1955 م، لبول ميردينغ، فقد لخص في الكتاب الكثير من مذكرات الرحالة الأجانب في منطقة الأحساء، ومشاهداتهم للأمراض والأوبئة، فكان من أهم المصادر لتلك الرحلات خاصة التي اعتمدها المؤلف الشيخ الحرز في كتابه.
- مذكرات شريفة الإمريكانية: وتعد من أهم الرسائل التي بسطت الحديث عن الأوضاع الصحية في الأحساء، واللجنة القائمة فيها، والروح التبشيرية لدى الإرسالية الطبية، لذا تعد من أهم المذكرات التي تم الاستفادة منها من قبل المؤلف الحرز في كتابه.
مضافاً إلى ما كتبه تشيزمان، وزويمل، وديكسون، وما تضمنته كتب الرحلات عبر شبه الجزيرة العربية، وغيرها من الكتب التي استفاد منها الباحث الحرز.
خامساً: التاريخ الشفهي: فلا تزال الذاكرة الأحسائية تحمل الكثير من الذكريات عن الأمراض والأوبئة التي نزلت على الأحساء خلال تاريخها خصوصاً المتأخرة، فلا زال كبار السنّ يستعيدون بعض هذه القصص والمواقف والأحداث، التي هي من مشاهداتهم، أو ما سمعوه ممن سبقهم في فترات قريبة، وفي هذا الأمر كان مرجع الباحث الحرز في الغالب ما سجله الأستاذ سلمان بن حسين الحجي رائد التاريخ الشفهي في الأحساء والذي سجل آلاف المقابلات الشخصية على مدى سنوات طويلة، بمختلف مناطق الأحساء، وجمع بعضها ضمن مجموعة من الكتب على شكل مقابلات، فكانت هي المرجع والمعتمد في رصد التاريخ الشفهي للأمراض والأوبئة في الأحساء.
ولعل أهم ما يميز هذا البحث التركيز بدرجة كبيرة على التأريخ لمن كان لهم إسهام في الحياة الطبية الأحسائية سواء تأليفاً أو نسخاً أو تملكاً أو مزاولة للمهنة بمختلف اتجاهاتها المتعددة، وذلك حفظاً لحقهم التاريخي لخدمة المجتمع والحفاظ على سلامته.
كما استعراض الباحث الشيخ الحرز بعض الأبعاد الطبية الأحسائية من التاريخ الأحسائي كنماذج آملاً أن يغطي جزءً وثغرة من التاريخ جديرة بالعناية بالاهتمام من الباحثين والمؤرخين، ولا يدعي أنه أحاط بجميع جوانب هذا التاريخ المشرق وإنما فتح كوة صغيرة على أمل إكمالها من الباحثين والمهتمين والمتخصصين.
وقد قسم الكتاب إلى الفصول التالية:
الفصل الأول: الطب في الأحساء نبذة تاريخية.
الفصل الثاني: أعلام المصنفات الطبية.
الفصل الثالث: أعلام الطب الشعبي في الأحساء.
الفصل الرابع: الأمراض الوبائية في الأحساء.
الفصل الخامس: الأوضاع الصحية في الأحساء من وجهة نظر غربية.
الفصل السادس: الطب الشعبي في الأمثال الأحسائية.
وقد تراوحت الفصول طولاً وقصراً بحسب المادة المتاحة عن كل نقطة، باذلاً الجهد في إعطاء القارئ لمحة تاريخية عن الحياة الصحية في الأحساء، كيف كانت في العصور الماضية والعقبات التي واجهها الآباء، ليضع حجراً عن جذور الحياة الطبية في بلادنا الحبيبة وأوائل المساهمين فيها.
كما قدم الشكر في مقدمة الكتاب لأخويَّه وصديقيه العزيزين الأستاذ الباحث والمؤرخ أحمد بن عبد المحسن البدر الذي أمده بالكثير من المعلومات التي أثرت الكتاب وساعدت على تقدم عجلته، والأستاذ الباحث سلمان بن حسين الحجي للإضافات المتفرقة التي اختصرت للباحث الحرز عبر كتاباته الكثير من الوقت، والدكتور محمد موسى القريني الذي زوده بمجموعة هامة من مصادر الكتاب.