آخر تحديث: 4 / 12 / 2024م - 9:38 م

موقفان

محمد العلي * مجلة اليمامة

1- «أيها الشعراء ارحلوا / كي نصوغ لكم كلمات المديح / أيها الشعراء الذين أتوا في الزمان الخطأ / اذهبوا للمكان الصحيح /... /ارحلوا في سلام / فالحياة هنا مثلما قد عهدتم / لم تزل قبض ريح»

2- «كلما أحسست بالغرق/ رسمت على ورقة بيضاء / زورقا صغيرا / وشراعا فارها / وحملت إليه النسائم / ذات يوم / ستملأ النسائم الشراع / ولسوف يتهادى الزورق متطامنا / وأنني سوف أنجو»

حين تقرأ هذين الموقفين. الأول للشاعر عبد الوهاب أبو زيد، والثاني للشاعر عبد المحسن يوسف، لا تلتفت؛ لتسأل عن «الشعرية» أسقط مصباح النقد من يدك، وابحث عن سبب تأثيرهما فيك. إن التأثُّر الذي ألهب دمك لم يكن من حرارة وجدانية، بل جاء من موقف الشاعرين من الحياة، من الوجود وهدفه، هذا الذي تاه الفلاسفة والمفكرون في البحث عن أسراره.

ترى لماذا وجّه عبد الوهاب نداءه للشعراء وحدهم، دون سائر خلق الله؟ لأن كل شاعر «حقيقي» يشعر شعورا حارقا بأنه قد «قد أتى في الزمان الخطأ» لأنه يطمح إلى ما يجب أن يكون، في حين أنه يتجرع مرارة ما هو كائن. يقابل هذا الموقف لعبد الوهاب، والذي يتمناه سيزيف، موقف عبد المحسن يوسف. إنه موقف شخصي مليء بالأمل، إنه لم ينف شعوره بما شعر به عبد الوهاب، وقد عبر عنه ب «الإحساس بالغرق»، بل استقبله بالاستعداد المضاد، والإصرار على النجاة.

ألا ترى أن رؤية الشاعرين للحياة كانت واحدة، ولكن كلا منهما نظر إليها من الزاوية التي قادته إليها تجربته يأسا، أو أملا؟ بلى. إن زوايا الحياة متعددة تعدد الأفراد الذين يشعرون بها شعورا وجوديا مرهفا، ويضعون لها معنى، كل حسب معاناته لها، هل أعطت أيامُها له زمَامها، فراح راتعا في النعماء والأفراح، والليالي الملاح، أم أشبعته ركلا، ووضعت زمامه بيد ريح صرصر عاتية؟

«ما مضى فات والمؤمل غيب / ولك الساعة التي أنت فيها» أذكر هذا البيت لا لأكون واعظا ولو مؤقتا، بل لأعيد ما ردده كثيرون، من الشاعر عمر الخيام حتى المفكر سلامة موسى، لكنه  على ما به من إغراء وراحة  يبقى نظريا، عند من يفهم الحياة، ويعرف أن الذاكرة عاجزة عن تجزيئ الزمن الذي عاشته وتعيشه، ولكن التشبّث بالتمنّي أفضل من الغرق.

كاتب وأديب