خفاء الجذور
الجذر هو أصل الشيء الذي يمتد وجوده ونموّه منه. ويطمح هذا المقال إلى العثور على إجابة قريبة من اليقين، حين يطرح السؤال: هل يمكن الكشف عن جذور حوادث التاريخ، بسهولة الكشف عن جذور الشجر؟ التاريخ يعرَّف بأنه: «حاصل الإمكانات التي تحققت» وهو تعريف دقيق، ولكن حاصل هذه الإمكانات يحتوي على تيارات متناقضة، تحمل تناقضات البشر وتحولاتهم، فكيف نبني مواقفنا وقناعاتنا بهذا التيار أو ذاك من بين هذه المتناقضات؟
هذه التيارات عرفناها عن طريق المؤرخين. وشرط المؤرخ حسب المفكر العروي هو «الوعي بالتغيّر» فهل كل هؤلاء المؤرخين، الذين نقلوا لنا حوادث الماضي، كانوا واعين بالتغير والتطور الملازم لخطوات التاريخ؟ لقد اعتمد ابن خلدون، وهو أنفذ وعيا بالتغير من كل مؤرخينا، على ثنائية الإمكان والاستحالة في مقدمته، ولكنه تخلى عن موقفه هذا في روايته لكثير من الحوادث في تاريخه، هذا بالإضافة إلى أنه أشعري. ينكر السببية، ومن ينكر السببية ينكر العقل، كما يقول ابن رشد، فكيف نثق برأيه في الإمكان والاستحالة، وهما لا يعرفان بدون الإيمان بالسببية؟
إن ما وصلنا من وقائع التاريخ لا يشمل كل ما حدث، بل يشمل بعضه، أو أكثره، في أحسن الأحوال، وهنا يأتي السؤال: هل معلوماتنا التي بنيناها على أقوال مؤرخين، لا نعرف مدى صدقهم ودقتهم في نقلهم لحوادث الماضي، هل هذه المعلومات تتصف بالصحة، أو أن الشك يحوم حول بعضها، لأنها لا يمكن أن تنقل الواقع كما هو حتى لو كان المؤرخ معاصرا للأحداث، لأنه لا يمكن أن ينظر إلى الحدث من جميع زواياه، بل من الزاوية التي يراها هو حسب قدرته الموضوعية فكيف إذا كان بينه وبين الحدث مئات السنين؟
هل الأكثرية العمودية، والأفقية، في أمتنا، تحس بتطور التاريخ؟ إن من يحس بذلك لابد أن يرفع مصباح الجدل «الديالكتيك» على آرائه؛ لينتشلها من هاوية التقليد، ولكن الذي نراه في واقعنا هو اطراد التقليد، وجهل سنة التطور، وغض الطرف عن فعل التاريخ، وكأننا من بني نمير.
باعتبار أن التاريخ عامل مؤثر في الحراك الاجتماعي، حاول كثير من المفكرين البحث عن فلسفة لهذا التأثير بمثل هذه الاسئلة: ماهي الغاية من تعاقب الأحداث؟ وهل لهذا التعاقب قوانين تحكمه، أم أنه يحدث بالصدفة؟ وراحت الدلاء تتكاثر حتى نضبت البئر.