آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 7:28 م

بعد تسعة شهور من الحرب على غزة

يوسف مكي * صحيفة الخليج الإماراتية

منذ السابع من تشرين/أكتوبر 2023 حين أطلقت حركة حماس، ما بات يعرف بطوفان الأقصى، سالت مياه كثيرة، على طبيعة الصراع بين الفلسطينيين وإسرائيل. ورغم مرور أكثر من تسعة شهور ونصف الشهر، على الحدث، فإن تداعياته لم تكتمل بعد، إن على صعيد الصراع ذاته، أو على صعيد تأثيراته المحلية والإقليمية والعالمية. وبالقدر التي تتوالى تداعيات الحدث، تدخل فيه أطراف جديدة على المشهد.

وأياً يكن موقف الأطراف الإقليمية والدولية، من هذا الحدث، فإن الذي لا شك فيه، أنه أعاد للقضية الفلسطينية، حضورها على المستوى الدولي، بشكل غير مسبوق، ربما منذ نكبة فلسطين عام 1948. وقد كشفت الأشهر الماضية، عن عجز حكومة نتنياهو في القضاء على حركة حماس. ولم يجانب بعض المسؤولين الإسرائيليين الصواب، حين أكدوا استحالة تحقيق ذلك، لأن حماس، ليست مجرد حركة، بل هي فكرة أيضاً، والأفكار من الأمور التي يصعب القضاء عليها، ليس فقط لأنها تمتلك حواضن شعبية تلتف حولها، بل لأنها تغدو جزءاً من اليقين الراسخ في ضمير الناس، لدرجة تجعل الارتباط بها، أقرب للارتباط بالعقيدة.

وليس من شك، في أن ردة الفعل الإسرائيلية، تجاه ما جرى في السابع من تشرين/ أكتوبر من العام الماضي، والتي اعتمدت الصدمة والترهيب، ومارست حرب إبادة بحق الفلسطينيين، في قطاع غزة، أدت إلى مصرع أكثر من 38 ألف فلسطيني، وقرابة تسعين ألف جريح، معظمهم من المدنيين، شيوخاً ونساءً وأطفالاً، أدت من جهة، إلى تحول المعركة بين إسرائيل وسكان غزة، إلى معركة صراع وجود، خاصة بعد انتهاج إسرائيل، سياسة حرب الإبادة والتجويع، وعدم التمييز بين الأهداف العسكرية والمدنية.

وفي حساب التحليل النوعي، ورغم الإسناد الأمريكي، والموقف المنحاز لكثير من الدول الغربية، فإن الفلسطينيين، رغم تضحياتهم الكبيرة، يبدون الكاسبين في هذه الحرب. فلأول مرة، تنحاز شعوب العالم، لحق الفلسطينيين في الاستقلال وتقرير المصير. وتغدو قضيتهم شأناً عالمياً، في أوساط الشباب بالولايات المتحدة والقارة الأوروبية، فضلاً عن القارات القديمة، التي هي بالأساس متعاطفة مع الحقوق الفلسطينية.

والواقع أن من الظلم تعميم الموقف المنحاز لإسرائيل، على جميع الحكومات الأوروبية، فهناك دول تفصح عن موقف مندد بحرب الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة، وحتى في الولايات المتحدة، يقف مجموعة من أعضاء الكونغرس الأمريكي، من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، منددين بحرب الإبادة.

فالسناتور بيرني ساندرز أعلن رفضه دعوة نتنياهو للتحدث أمام الكونغرس. بل إن ساندرز يذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، إنه يوافق على مذكرة الاعتقال التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية، بسجن نتنياهو، باعتباره متورطاً في انتهاكات واضحة وشائنة للأعراف الدولية.

وكانت محكمة العدل الدولية، وهي أعلى هيئة قضائية تابعة للأمم المتحدة، قد أصدرت أمراً يدعو إسرائيل، لوقف هجومها العسكري، وأي عمل آخر في رفح، في موقف تاريخي يسهم، في تعزيز الضغوط الدولية، على تل أبيب بعد أكثر من تسعة شهور على بداية الحرب. كما أصدرت محكمة العدل، قراراً آخر، يطالب بإنهاء احتلال إسرائيل للضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة، كون هذا الاحتلال يتعارض مع القوانين والأعراف الدولية. بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه، وعدد آخر من المسؤولين الإسرائيليين، اعتبروا الدعوة لحق الفلسطينيين في تقرير المصير، موقفاً غير أخلاقي، ويعبر عن عداء مستفحل من قبل المنظمة الدولية للسامية.

العنجهية الإسرائيلية، تجاه المطالب الدولية، ورفض الدعوات المتكررة لوقف إطلاق النار، يقابلها مواجهة عنيدة، غير مسبوقة ضد الاحتلال الإسرائيلي، من عدة جبهات مجاورة، دفعت لاعتراف نتنياهو، إلى أنها المرة الأولى، منذ تأسيس إسرائيل، التي تشنّ فيها الحرب عليها، من سبع جبهات، في إشارة واضحة، إلى عمليات حزب الله والحوثيين، والعمليات العسكرية التي تجري بالضفة الغربية، ومن سوريا، وتلك القادمة من إيران والعراق، وداخل القطاع نفسه، حيث يواجه الإسرائيليون، مقاومة ضارية تعترف بها الصحف الإسرائيلية، ومن ضمنها «هاآرتس» و«معاريف».

إن ما يجري الآن هو أقرب إلى معركة عض الأصابع، فالذي يتألم أكثر، وليس بمقدوره الاستمرار بالمواجهة، هو من سينسحب أولاً، وبالتأكيد فالفلسطينيون، يطالبون بوقف إطلاق النار، منذ الأسبوع الأول، لطوفان الأقصى، والذين يساندونهم عسكرياً في هذه الحرب، لا يطالبون سوى بوقف إطلاق النار. وهذا الموقف، يتماهى مع مطالب عوائل الأسرى الإسرائيليين، الذين يرون في استمرار هذه الحرب، خسارة المزيد من أسراهم، الذين ربما يكونون ضحايا للهجمات الإسرائيلية. وقد حدث ذلك فعلاً، عدة مرات وتسبب في مصرع عدد من الأسرى، واستمرار حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة، يعني خسارة المزيد من الأسرى الإسرائيليين.

لقد بات الحديث عن الأسرى الإسرائيليين لدى حماس، عنصر ضغط قوياً ومستمراً، من قبل عوائل الأسرى، وأيضاً من قبل إدارة الرئيس الأمريكي، جوزيف بايدن، حيث أصبح الحديث عن إجراء صفقة تبادل بين الأسرى الإسرائيليين والفلسطينيين من المواضيع الأثيرة، لكل الأطراف. فعسى أن تشهد الأيام القادمة وقفاً للحرب على غزة، وتضميد جراحاتها وتحقيق السلام المبني على العدل والاعتراف بالحقوق.