تأثير التأمينات الاجتماعية أكثر من مجرد معاش تقاعدي
يتجاوز تأثير نظام التأمينات الاجتماعية في أي بلد كونه نظام لتوفير منافع عند التقاعد، منها صرف معاش شهري، إذ أن التأثير يشمل الاقتصاد ككل، وتحديداً: «1» الادخار: بتثبيط رغبة الموظفين في الادخار، ولاسيما إن كانت منافع التقاعد عالية بما يكفي ليحافظ المتقاعد على مستوى معيشته، ولذا لابد من الموازنة - من الناحية الاقتصادية الكلية - بحيث لا يزاحم نظام التقاعد نظام الادخار، بل أن يتكامل معه وأن تتوافق سياسات التقاعد مع سياسات الادخار، فالحاجة لحفز الأفراد على الادخار ضرورية لانتعاش أي اقتصاد، فكل ريالٍ يُدخر سيستثمر بطريقةٍ أو بأخرى، فبمجرد أن تضع ريالك في البنك فقد أصبح في عهدة النظام المالي وستثمره البنوك.
أما إن استشعر الموظف أن ما يدخره له نظام التأمينات «من خلال الاستقطاع الشهري» يوفر دخلاً كافياً عند التقاعد فقد يدفعه ذلك للاستهلاك وإنفاق ما في الجيب. ولذا، فإن التثقيف والتوعية بأن الراتب التقاعدي لا يلغي الحاجة للادخار، وكذلك تعزيز جهد التوعية بتوفير منتجات ادخارية اختيارية من خلال مؤسسة التأمينات ومن خلال المؤسسات المالية الأخرى أمر ضروري على أكثر من صعيد، ويحتاج لمبادرة ضخمة موجهة لمن هم على رأس العمل من المشتركين في نظام التأمينات لحفزهم على الادخار، بتقديم منتجات مبدعة وجاذبة، بل وحفز المؤسسات المالية بتقديم منتجات ادخارية متنوعة موجهة للموظفين على تفاوت مستويات دخلهم وفئاتهم العمرية سواء اكانوا مواطنين أو وافدين.
«2» سوق العمل: بالحد من العرض في سوق العمل إن كان نظام التأمينات يوفر دخلاً عالياً خلال فترة قصيرة نسبياً من الاشتراك، أو ما يعرف بالتقاعد المبكر، مما قد يؤدي إلى خروج أعداد من المشتركين من سوق العمل عبر بوابة التقاعد المبكر، مما قد يؤثر على عرض العمل أو على برامج التوطين، لاسيما إن كان من يتقاعد مبكراً من أصحاب المهارة والخبرة، فهؤلاء يصعب الإحلال محلهم محلياً مما يعني مزيداً من الاستقدام.
وعلى العكس تماماً عندما يمدد نظام التأمينات سن العمل لما بعد الستين، كما حدث في التعديلات الأخيرة في نظام التأمينات بجعل سن التقاعد 65 عاماً أو بتوفر خدمة 360 شهراً، ما يعني زيادة عرض العمل بأن يعمل الأشخاص لسنوات أطول، ولهذا تأثير على سوق العمل بتوفير أشخاص من أصحاب الخبرة المتراكمة، وليس من تأثير سلبي على الداخلين الجدد لسوق العمل من السعوديين، لاعتبارين: الأول، أن هناك نقص كبير في الموارد البشرية المتاحة يغطى بالاستقدام من الخارج؛ فَجلّ الموظفين في سوق العمل السعودية هم ليسوا مواطنين، والثاني، تفاوت مستوى الخبرة والتأهيل والمهارة، فالداخلين الجدد سيشغلون وظائفاً غير تلك التي يشغلها من قضوا عقوداً على رأس العمل.