لماذا غاب العمل الخيري عن منبر الحسين
كربلاء مدرسة عنوانها الأول إيقاظ الضمير الإنساني لرفض الظلم وإنكاره والسعي في الإصلاح وتحمل الأذى في سبيل ذلك. هذا هو جوهر رسالة كربلاء، وهذا ما كان الإنسان بحاجة له في كل مكان وزمان وهو أحوج إليه اليوم من أي يوم مضى. كلما اقتربت رسالة المنبر من هذا الجوهر كانت أكثر وفاء لرسالة الحسين الذي قدم في سبيلها دمه وأهله وأصحابه.
غير أن الموسم العاشورائي انفتح على شتى المواضيع وأصبح حافلا بمعالجات اجتماعية ودينية أخرى مما ينفع الناس وتشتد الحاجة إليه. تتنوع اليوم مواضيع المنبر التي يعالجها الخطباء من الديني الوعظي والديني الفكري والاجتماعي والتاريخي إلى مباحث فلسفية وعقدية وفكرية مستجدة ناشئة، وكلٌ له نفع بقدر حاجة الناس إليه وانتفاعهم منه.
في مطالعة سريعة لعناوين عدد من أعلام المنبر في منطقتنا هذه السنة، لم ألحظ وجود أي محاضرة تتناول العمل الخيري إطلاقا. وأظن أن هذه ثغرة ينبغي سدها. من المؤكد أن كثيرا من هذه المحاضرات النافعة وهي تتناول هذه السيرة المعطاءة بلغة دينية يتخللها روايات وإشارات إلى كثير من أعمال الخير والبر فهم سلام الله عليهم أصل الخير ومعدنه. لكن هذا لا يكفي في نظري ولا هذا مقصدي. يشغل العمل الخيري اليوم مساحة واسعة أكبر من إشارة جانبية عابرة. هذه المساحة التي يشغلها العمل الخيري ينبغي أن تأخذ ما يوازيها في موسم عاشوراء. لا أعتقد أن حاجة المجتمع إلى العمل الخيري خافية على عامة الناس، فضلا عن المطلعين والفضلاء. للعمل الخيري أيضا حضور قوي في تراث أهل البيت وفي سيرة الإمام الحسين يمكن تجييرها والاستفادة منها في إعلاء هذا الجهد الاجتماعي النبيل.
وعندما أتحدث عن العمل الخيري فأنا أقصد عموم العنوان باتساعه. فليس خافٍ على أحد أن العمل الخيري اليوم تنهض به جهات عديدة رسمية وغير رسمية فردية وجماعية، لكنها جميعا تنطلق من خيرية العمل ونبله وفضله وحاجة الناس إليه حاجة ماسة. وقد توسع العمل الخيري بتوسع حاجة المجتمع فلا يقتصر اليوم على الجانب الإغاثي في المأكل والمسكن، بل تعدى ذلك إلى مساحات اجتماعية عريضة تشمل الإغاثي التقليدي والصحي والرياضي والتعليمي وسواها. لذا يستطيع الخطيب أن يتناول كثيرا من المواضيع المتعلقة بالعمل الخيري على مستوى النظرية والتطبيق والتأصيل من قبيل:
1. الحاجة إلى تعزيز روح التكافل في المجتمع وذم الأنانية والشح
2. إعلاء روح البذل والعطاء
3. التكافل الأسري وتحسس حاجة الأقارب والأرحام
4. التشجيع على التطوع في المجالات الاجتماعية المختلفة
5. الإشادة بالمبادرات والجهات الاجتماعية الخيرية المختلفة
6. الإضاءة على الفجوات التنموية والخيرية التي يحتاجها المجتمع
والكثير الكثير مما لا يعدم الخطيب القدرة على ربط المشهد الحسيني به والاستفادة من الموسم في ذلك. أتمنى أن تعكس قوائم محاضرات العام القادم اهتماما أفضل بهذا الجانب الخيري، كما أتمنى من الجمعيات الخيرية أن تبادر في التعاون مع الخطباء لتعريفهم بالجوانب الاجتماعية الخيرية وحثهم على طرقها في محاضراتهم، سائلا العلي القدير أن يتقبل الجهود الخيرة التي يبذلها الخطباء وأصحاب المجالس الحسينية وكافة أبناء المجتمع في إشاعة الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أسوة بإمام الأحرار وسيد الشهداء .