آخر تحديث: 22 / 11 / 2024م - 1:35 ص

عاشور في عشتار

تغريد الزاير *

يستعد الناس لاستقبال شهر المحرم استعدادًا خاصًا، فهو ليس كسائر الشهور. شهر يكتسي بالحزن والأسى، فتُكسى الجدران بالسواد، ويلبس الناس فيه الأسود، حتى الأرز يتحول لونه إلى الأسود. نسميه في تاروت والقطيف شهر عاشور لارتباطه بيوم العاشر من المحرم، شهر ذو أجواء مميزة، وبه من العادات الأصيلة ما يذكرنا بملحمة الإمام الحسين الخالدة، ويربطنا بهذه الأرض الطيبة أكثر فأكثر.

لا زلت أتذكر أصوات الأطفال وأنا ألعب معهم في أزقة الديرة التاريخية، ومن المآتم تفوح رائحة شاي الليمون الأسود المنعشة وشاي الدارسين الخنين، ورائحة الفحم ينضج، ويطلق شراره لتجهيز جمر القدو. نساء في الأزقة والشوارع، وعلى رؤوسهن صحون من طبق المحموص الشهير لتوزيعه على بيوت الجيران والمعارف، ومن حلاوة رائحته أقول في نفسي: ”إن شاء الله يرسلون لبيتنا صحنًا“.

القهوة تحمص وتطحن في البيوت، وكانت قهوتنا سوداء وليست شقراء، وتُطهى مع الهيل، و”تعال شمّ الريحة“! محرم ليس مجرد حزن، بل هو ملحمة من التعاون الاجتماعي بكل أشكاله، فناس يطبخون المحموص الذي يحتاج إلى مجهود كبير، وآخرون يدفعون المال للمآتم للمساعدة المادية، والرجال يوفرون ما تحتاجه المآتم من حاجيات، وآخرون يقومون بالخدمة من تنظيم وصب قهوة وتوزيع طعام.

العصر أذهب مع أمي «رحمها الله» إلى المأتم، فتعلمني آداب المأتم: ”لا تضحكي، ولا تعلجي - لا تأكلي علكة -، وغطي وجهك، واستمعي لمصيبة الحسين جيدًا“. هذه ليست مجرد مآتم، هذه مدارس. ثم تعلو الآهات والبكاء على مصيبة الحسين منذ ذلك الوقت وحتى يومنا هذا في كل عام.

اللهم لا تحرمنا هذه العادات الأصيلة، وأدم على بلدنا الأمن والأمان.

أخصائية علاج طبيعي