مقاصد النهضة الحسينية
تحمل النهضة الحسينية المباركة مشاعل الإصلاح في كل مفرداتها وحيثياتها؛ فهي لا ولم تكن مجرد طقوس يتمظهر من يعمل بها ويمارسها وإن كان ذلك مطلوبا في حد ذاته، إلا أنه ينبغي تجسيده بقدر ما نستطيع على أرض الواقع، واتخاذ منهج الحسين - سلام الله عليه - نبراسا نعكسه على مجمل سلوكياتنا وأفعالنا، وإن كنا لا نستطيع فعل كل ذلك ولا نقوى عليه.
فقد ورد عن أمير المؤمنين علي أنه كتب كتابا لعامله على البصرة عثمان بن حنيف الأنصاري وقد بلغه أنه دعي إلى وليمة قوم من أهلها فمضى إليهم، فكتب له كتابا قال فيه: ”ألا وإن لكل مأموم إماما يقتدى به، ويستضئ بنور علمه، ألا وأن إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه، ومن طعمه بقرصيه. ألا وإنكم لا تقدرون على ذلك، ولكن أعينوني بورع واجتهاد، وعفة وسداد..“ [1]
فعندما نبكي على الحسين نستشعر العودة إلى الله والتوبة من ذنوبنا. وعندما نتسمر جالسين حول المنابر نستنهض أنفسنا على عمل الخير الذي فيه صلاح لدنيانا وآخرتنا.
نظافتنا ونقاء سريرتنا الداخلية وسلوكياتنا الخارجية هما دلالة تمسكنا بأوامر ونواهي الحسين الذي هي أوامر ونواهي جده المصطفى - صلوات الله عليه وآله - وهو القائل: «حسين مني وأنا من حسين أحب الله من أحب حسينا حسين سبط من الأسباط» والحديث حسنه الترمذي والألباني. [2]
فعندما نأكل نتذكر آداب الطعام، وعندما نتحدث مع بعضنا نتأدب بآداب الحديث.
فحب الحسين يستلزم منا البعد عن الغيبة والنميمة، والحرص على تأدية ما علينا من واجبات، وتطبيق ما أمر الله ونهى عنه من ترك المعاصي، والسعي لحفظ الحقوق، وصون الأعراض، وحفظ الممتلكات العامة والخاصة، وصلة الأرحام، وترك الحسد، والتمركز حول الذات، والاعتراف بالذنب وعدم الرجوع إليه.
فالذي يعطل أحكام الله، ويسلب الحقوق، ويسرف ويبذر، ويتعدى على حرمات الناس، ويوقع الضغينة والبغضاء بين الأصدقاء والإخوان، فهذا لا يمت لمنهج الحسين بصلة لا من قريب أو بعيد.
ولا أنصع دليلا ولا أقوم كلاما من كلامه - سلام الله عليه - في تأطير وتحديد أهداف نهضته المباركة حين قال: «إني لم أخرج أشرا، ولا بطرا ولا مفسدا، ولا ظالما، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن رد علي هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق، وهو خير الحاكمين». [3]
أما على صعيد بعض الممارسات والاجتهادات من قبل البعض والتي ترافق العزاء أو حتى محتوى القراءة؛ ينبغي على القائمين عليها والمتصدين لها - جزاهم الله خير الجزاء - التحرز فيما يختص بذلك، وذلك بالرجوع والاسترشاد بأقوال أصحاب الاختصاص من الفقهاء المحققين والموثوقين ممن له اعتبار على مستوى الساحة العلمية.
فأمور الدين لا تؤخذ من سوى المختص، فكما لا يسمح بأخذ العلوم كالطب والهندسة وغيرها إلا ممن هو ملم بها ومختص ومطلع عليها.
ولنكن مصداقا لكلام الإمام الصادق حين قال: ”كونوا لنا زينا ولا تكونوا علينا شينا قولوا للناس حسنا، واحفظوا ألسنتكم، وكفوها عن الفضول وقبيح القول“. [3]