من الذاكرة.. شيء من الخدمة الحسينية
قال لي صديقي:
لأني أعلم أن عاشوراء هي أيام العطاء والمشاركة الاجتماعية.. عاشوراء هي حركة وحياة للمجتمع... كلما كانت لك مشاركة فإنك ستشعر بطعم عاشوراء.
علينا أن نجتهد في خدمة الإمام الحسين .
وإن السعيد من وفقه الله لهذه الخدمة.
ثم قال صديقي اسمح لي أن أقص عليك هذه القصة.
عندما كنت شابا قررت أن أكثف من حضوري للمجالس الحسينية، وصرت أشارك في الخدمة الحسينية.
كنت أشعر بلذة الخدمة الحسينية، كنت أعي أن هذا العمل هو إحياء لذكر الإمام الحسين .
خرجت من المنزل قاصدا المضيف الحسيني، كنت أرى مظاهر الحزن والحداد تغطي أرجاء المدينة، السواد، الأعلام، إغلاق المحلات التجارية، حركة الناس تجاه المجالس الحسينية... إلخ.
في طريقي للمضيف الحسيني والذي اعتدت سنويا أن أشارك في توزيع «عيش الحسين» على جميع منازل المنطقة.
رأيت شابا يدفع كرسي والدته التي كانت تلهج بذكر الحسين.. سمعتها تنادي «يا حبيبي يا حسين».. كان متجها نحو حسينية الملاية «أم زكي».
كنت أرى النساء يدخلن الحسينية، كنت أسمع صوت النساء حسين يا حسين.. غريب يا غريب.
توقف الشاب ونزلت السيدة العجوز.. دخلت الحسينية..
قلت للشاب هنيئا لك هذا البر مع والدتك.. نظر إلي وعينه مغرورقة بالدموع، وقال أمي تعشق الحسين..
قلت هنيئا لها هذا العشق
تابعت مسيري وأنا أفكر في هذا المشهد.. قلت في نفسي حتى النساء على استعداد لنصرتك يا سيدي يا حسين.
وصلت المضيف وقد بدؤوا في إعداد الوجبات، أخذت مجموعة وذهبت لتوزيعها في المنطقة المحددة، وصلت لمنزل الحاج مكي، طرقت الباب، انتظرت دقائق.. أسمع صوت التلفاز صوت رثاء الحسين. طرقت الباب مرة أخرى ولكن لا جواب.
ناداني أحد الشاب... هيا ربما الحاج مكي غير موجود دعنا نذهب لمنزل آخر.
تحركت عدة أمتار.. ثم نظرت خلفي.. وجدت الحاج مكي واقفاً عند الباب..
عدت إليه مسرعاً..
كان مرتدياً ثوباً أسود، رأيت في عينيه آثار البكاء، رحب بي قائلاً: آسف يا ولدي، تركتك تنتظر كثيراً.
ابتسمت له وقلت: لا يا عمي لم تتأخر، هذه وجبتكم، عيش الحسين.
نزلت دمعة من عينيه
وقال مختنقاً بالعبرة: أنا أنتظر هذا اليوم منذ عام.
أخذ الوجبة وشمها، تساقطت دموعه على خده وقال: ما أطيب ريحك... يا حسين.
ثم أردف قائلا: هذا «المحموص» يا ولدي له ذكريات حسينية عزيزة، يا ولدي هذا المحموص عندما تتناوله فأنت تغذي جسمك بالروح الحسينية، عندما تأكل أول لقمة تنتابك العبرة وتحولك لكائن آخر، تأخذ روحك إلى حيث الحسين ، إنك تغذي جسمك بقيم مبادئ الحسين ، تغذي جسمك بالعطاء، بالعزة، بالإيمان... عيش الحسين هو طاقة للحياة.
صرت أنظر إليه وهو يذرف دموعه..
وقلت: هنيئاً لك يا عمي هذا الحب الحسيني..
ودعته وأنا أقول في نفسي:
إن حب الحسين يجري في عروقي وبحبه أصبحت شمسا أضيء في شروقي وغروبي.
أنا أحببت الحسين فزالت بحبه كل عيوبي.
أنا واليت الحسين وأيقنت أن الله يغفر بموالاته كل ذنوبي.
وصدق رسول الله ﷺ عندما قال: ”إنّ لقتل الحسين حرارةً في قلوب المؤمنين لا تبرد أبداً“. [1]
سيبقى الحسين دماً يجري في أجسادنا، روحاً تتجدد، هو شعلة للحياة لن تطفأ أبداً، وكما قال الشاعر:
كذبَ الموتُ فالحسينُ مُخَلّدْ *** كُلّما أخْلقَ الزمانُ تجدَّدْ
نظرت لصديقي وقلت هنيئا لمن سكن حب الحسين قلبه.