آخر تحديث: 31 / 10 / 2024م - 11:58 م

بسمة مريض

رضي منصور العسيف *

ليس سهلا أن تصنع ابتسامة في بيئة مليئة بالألم. إن تحفيزك الآخرين للابتسامة في تلك البيئة معنى ذلك أنك تتحدى الألم.. تتحدى الواقع الكئيب وتسعى لبناء واقع جديد ومشرق.. تعني أنك تقاوم اليأس منطلقا نحو الأمل.

باختصار أنت تنشر ثقافة التفاؤل وسط ذلك الوسط الحزين، وهذا ما ذكره الإمام علي : السرور يبسط النفس ويثير النشاط. [1] .

من تجربتي

من خلال تجربتي مع بعض مرضى غسيل الكلى أنقل لكم هذا الموقف:

أولاً يجب أن تعرف عزيزي القارئ أن هؤلاء المرضى يخضعون لعملية غسيل الكلى ثلاث مرات في الأسبوع في جلسات تتراوح مدتها بين 3 و 4 ساعات لكل جلسة.

خلال هذه الجلسة يتلقى المريض رعاية طبية جيدة من الكادر الطبي.

ومع هذا يشعر المريض بنوع من الضجر والملل بسبب هذا الإجراء الذي يستنزف وقتهم وطاقتهم.

لذلك قررت أن أتعامل معهم بروح مرحة، وأن أقدم لهم النصيحة الغذائية مغلفة بغلاف التفاؤل والأمل.

أنتِ محظوظة

ذات مرة طلب مني الطبيب المعالج أن أتحدث مع مريضة تعاني من انخفاض عنصر الفسفور.

ذهبت إليها بعد أن قرأت نتائج التحاليل، فوجدت أن هناك انخفاضاً في الفسفور كما قال الطبيب.

سلمت عليها وقلت لها: هل تشربين الحليب.

نظرت إليّ بعين ناعسة وقالت: منذ زمن طويل لم أشربه ولم أتناول أي منتجات الحليب.. لم أعد أعرف طعم اللبن أو الجبنة.

سألتها: من قال لك ذلك؟

أجابتني: من أول جلسة غسيل.. أخبرني أحدهم أن هذه القائمة ممنوعة عني بسبب ارتفاع الفسفور.

ذهلت مما سمعت وقلت مبتسما: أنت محظوظة...

هل تعرفين محظوظة؟

قالت: لا.. لا أعرفها.

قلت لها ألا تعرفين محظوظة أخت مبروكة.

صارت تنظر إليّ وكأن علامات التعجب والاستفهام تلف حول رأسها وقالت: لم أفهم قصدك؟

ابتسمت وقلت لها: محظوظة ومبروكة في المسلسل الكويتي على الدنيا السلام..

ابتسمت المريضة وقالت: آه... عرفت..

ولكن ما دخلهما في حالتي المرضية؟!

قلت لها: أنت محظوظة لأني حضرت لأشرح لك الحمية الخاصة بالأغذية الغنية بالفسفور.

قالت: لكنهم منعوني منها.. ولم أعد أشتهي الطعام بسبب هذه القائمة الطويلة من الممنوعات..

ابتسمت وقلت من اليوم يمكنك تناول الحليب أو اللبن أو الأجبان قليلة الملح؛ لأنك تعاني من نقص الفسفور... لا داعي للحرمان.

سألتني هل يمكنني أن أشرب الحليب؟!

قلت نعم بلا خوف...

ثم قلت: هل تحبين المكسرات؟

قالت: نعم أحبها

قلت يمكنك أن تأكلي بمقدار فنجان

قالت هل أنت تمزح معي؟!

أجبتها لا أمزح معك، ولكن حالتك تغيرت الآن لكل مريضة حمية خاصة تختلف من وقت لآخر حسب نتائج التحاليل والتغيرات الطبية الأخرى..

ثم قلت: ما رأيك أن تأكل آيسكريم.. أنتِ لست مصابة بالداء السكري.

نظرت إلي والابتسامة تملأ وجهها، وقالت أرجوك يا دكتور لا تمزح معي.. هل أنت جاد في كلامك؟!

قلت مبتسما نعم. ألم أقل لك إنك محظوظة.

ضحكت وقالت اليوم إن شاء الله سأتناول حبيبي الآيسكريم. وسوف أشاهد بعض مقاطع محظوظة ومبروكة.

ضحكت وقلت لها: أتمنى لك الصحة والسعادة الدائمة.

الابتسامة.. أجر عظيم

إدخال السرور وصناعة البسمة هو عمل بسيط لا يكلفك مالا ولا جهدا، وإنما يكسبك أجرا وثوابا عظيما. وهو من الأعمال التي تقربك إلى الله حيث ورد عن الإمام الباقر : ما عبد الله بشيء أحب إلى الله من إدخال السرور على المؤمن [2] .

ورُوِيَ عن الإمام علي بن موسى الرضا أنهُ قال: ”وَ مَنْ تَبَسَّمَ فِي وَجْهِ أَخِيهِ الْمُؤْمِنِ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ حَسَنَةً، وَ مَنْ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ حَسَنَةً لَمْ يُعَذِّبْهُ“ [3] .

أخيرا تذكر أن ”البسمة في وجه المريض نصف الطريق إلى الشفاء“ كما يقول الفارابي.

[1]  ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج 2 - الصفحة 1290

[2]  ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج 1 - الصفحة 507

[3]  وسائل الشيعة: 12 / 120
كاتب وأخصائي تغذية- القطيف