تأثير موسم الحج على العلاقات السعودية - الإيرانية!
”أتمّ اليوم بعون الله حج حجاج بيت الله الحرام والحجاج الإيرانيين بعدما قضوا أياماً في المشاعر المقدسة على أن يرجعوا إلى أوطانهم سالمين غانمين، وبدوري أعرب عن شكري وتقديري للأجهزة المختصة لإيران والسعودية في تيسير شؤون ضيوف الرحمن“.
التدوينة أعلاه للسفير الإيراني في السعودية علي رضا عنايتي، نشرها عبر حسابه بمنصة ”أكس“ في 18 حزيران «يونيو» 2024، بعد انتهاء موسم الحج. وهي بقدر ما تبدو أنها ضمن الأعراف الدبلوماسية المتبعة، إلا أنها تكتسب أهمية خاصة، بعد موسم حجٍ أتى في ظروف إقليمية مضطربة، ودعوات من جهات عدة لتحويل الشعائر إلى تظاهرة واسعة بذريعة ”نصرة غزة“، وهي خطابات تروم ”تسييس الحج“، وذلك أمرٌ ترفضه الحكومة السعودية بشكل قاطع، لما له من آثار سلبية على سلامة وأمن الحجيج. فقد أكد وزير الداخلية السعودي الأمير عبد العزيز بن سعود بن نايف ”جاهزية القطاعات الأمنية والعسكرية التامة لوأد أي تجاوز من شأنه تعكير صفو الحج“، بحسب ما نقلته صحيفة ”الشرق الأوسط“.
ما زاد من تعقيد المشهد - حينها - الدعوة التي أطلقها الحساب الرسمي لمرشد الثورة الإسلامية في إيران علي خامنئي عبر منصة ”أكس“، والتي جاء فيها: ”يجب أن تتواصل البراءة هذا العام بنحو يتخطّى موسمَ الحجّ وميقاتَه، إلى الدول والمدن التي يقطنها المسلمون في أرجاء العالم كلّه، وتتعدّى الحُجّاجَ إلى كلّ فردٍ من الناس“، مضيفاً في تدوينة أخرى إنّ ”هذه البراءة من الكيان الصهيوني وداعميه، ولاسيّما الإدارة في الولايات المتحدة الأميركيّة، ينبغي أن تتجلّى قولًا وعملًا لدى الحكومات والشعوب، فتضيّق الخِناق على الجلّادين“.
هذه المواقف من مرشد الثورة تتعارض والأنظمة المعمول بها في السعودية، فضلاً عن أنها تأتي بعد أن عادت العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران، في آذار «مارس» 2023، وهي التي كانت قد انقطعت في كانون الثاني «يناير» 2016؛ ما يعني أن مسار العلاقات الثنائية لا يزال في مرحلة بناء الثقة وحل الملفات الأمنية والسياسية التي كانت سبباً في القطيعة طوال سنوات مضت.
الموقف ”الثوري“ للمرشد تعاملت معه السعودية بهدوء، من دون أن تدخل في صدام ديبلوماسي أو سجالٍ إعلامي مع المرشد ومكتبه، وفضلت العمل على ثلاث مسارات: التأكيد العلني أكثر من مرة وعبر شخصيات عدة على أن ”أمن الحج خط أحمر“ وأن السعودية لن تسمح بتسييس الشعائر، والمسار الثاني الجهوزية العالية لكافة القطاعات الأمنية والتنظيمية المعنية بسلامة الحجاج والمشاعر المقدسة، فيما المسار الثالث هو التواصل المباشر مع السلطات الإيرانية بعيداً عن الإعلام من أجل التنسيق المشترك وأيضاً القول صراحة أن القوانين المعمول بها في المملكة يجب أن تحترم وأن لا يتم تجاوزها تحت أي ذريعة.
كان نهج الرياض مزيجاً بين الوضوح والصرامة والدبلوماسية في آنٍ معاً، لذا لم تحدث أي قلاقل أمنية أو سياسية أثناء موسم الحج، وبقيت الأمور محصورة في نطاق ضيق جداً ضمن ”البعثة الرسمية الإيرانية“.
الإيرانيون، من جهتهم، يبدو أنهم عرفوا حساسية الوضع، وتعاملوا بحذر، حيث أكد السفير الإيراني في السعودية علي رضا عنايتي، في تصريح خاص لموقع ”إندبندنت عربية“، أن ”حجاجنا منضبطون ولن يكونوا مصدر إزعاج“، مشيداً في الوقت ذاته بجهود المملكة، قائلاً إن السعودية ”تبذل جهوداً مضنية تشكر عليها لتيسير شؤون الحجاج وتسهيل أمرهم“.
هذا الموقف الإيجابي من السفير عنايتي، علق عليه الأمير عبد الرحمن بن مساعد بن عبد العزيز، عبر منصة ”إكس“، قائلاً: ”شكراً للسفير الإيراني على هذا التصريح وكذلك شكراً للحجاج الإيرانيين على التزامهم بالأنظمة المعمول بها في الحج وتعاونهم في ذلك، ومن مظاهر هذا ممارسة مشاعرهم الخاصة بهم داخل مخيماتهم وبمعزل عن باقي الحجيج كما يحدث كل موسم“، وهي التدوينة التي نالت أكثر من 700 ألف مشاهدة.
صحيح أن الأمير عبد الرحمن بن مساعد لا يمثل جهة رسمية، إلا أنه شخصية مثقفة تنال احتراماً كبيراً في الأوساط السعودية، وكتاباته دائماً ما يتم تداولها بشكل واسع وتؤثر في الرأي العام.
ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وفي حفل الاستقبال السنوي لرؤساء الدول وضيوف خادم الحرمين الشريفين، بعد انتهاء شعائر الحج، أكد على ”أننا في السعودية نشكر المولى عز وجل، أن شرفنا بخدمة الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة، والعناية بقاصديها والحرص على أمنهم وسلامتهم“. وكان من ضمن المدعوين للحفل السفير علي رضا عنايتي، الذي نشر صورة له أثناء سلامه على الأمير محمد بن سلمان.
في الوقت ذاته، من يتفحص حساب السفير عنايتي، بمنصة ”إكس“، يلحظ أنه تجنب نشر النداء الذي وجهه مرشد الثورة علي خامنئي للحجاج، ولم ينشر أي صور تتعلق بذلك، إنما ركز على نشر أخبار وصور لقاء المسؤولين السعوديين والإيرانيين، والزيارات والمكالمات الهاتفية المتبادلة بين وزيري خارجية البلدين وأعضاء السلك الدبلوماسي.
وفق هذه المعطيات، يمكن القول إن الرياض وطهران استطاعتا أن تتجاوزا بشكل عملي الآثار السلبية للدعوات التي أُطلقت بهدف ”تسييس الحج“، وأن هذا الملف رغم تعقيداته، تعاملت السعودية معه وفق سياسة هادئة وحازمة وحكيمة، الأمر الذي دفع السلطات الإيرانية لأن تلتزم القوانين المرعية في المملكة، والتي تهدف لأن يؤدي الحجاج مناسكهم براحة وأمن، لكي يعودوا لأوطانهم سالمين.