الكاظمي.. ولغة قومه
لا زال العراق ولاداً بالشعراء الذين يتركون بصمات فريدة ومميزة على ساحة الأدب وفي عصرنا الحاضر من أواخرهم الأستاذ الأديب الكبير أبو علي جابر الكاظمي. وبعيداً عن العواطف والمحبة القلبية الكبيرة التي أكنها له في قلبي سوف أنقل نقدا لما تناهى إلى سمعي من نقد أهل الاختصاص لهذه القامة الأدبية الشامخة في خدمة العترة الطاهرة صلوات الله وسلامه عليهم وعلى جدهم المصطفى ﷺ التي ملخص مفاده أن الدواوين التي أنتجها الكاظمي لم يأت بجديد فيها مقارنةً بما ينتجه الشعر الحداثوي أو مدرسة الفن الحديثة.
في مقام طرح بعض الموضحات بحكم المتابعة الطويلة لهذا الأديب في لقاءاته المتعددة التي شاهدتها كلها بل أكرر مشاهدة بعضها للاستفادة من هذه الشخصية التي أصبحت رمزاً ثقافياً من رموز الكاظمية المقدسة نقول: -
أولاً: المدارس البلاغية ليست تقتصر على المدرسة الحداثوية بل هناك مدرستان أخريتان وهما مدرسة اللفظ ومدرسة المعنى وفقاً لما ذكره العلامة الفضلي رضوان الله عليه في كتابه القيم تلخيص البلاغ، لذلك لعل الأديب الكاظمي لا يميل المدرسة الحداثوية أصلاً.
ثانياً: من المُسلَّم به إذا أردت أن تنتقد نتاج شاعر لا بد أن تعرف نظرته أو رؤيته عن الشعر الذي ينتجه ومن يستهدف بشعره. وأظن أنه لا نحتاج إلى شواهد لإثبات أن المستهدف هو المجتمع الحسيني الذي يحضر للعزاء الحسيني بجميع طبقاتهم ومستوياتهم الثقافية.
ثالثاً: وأما عن اللغة المنثورة في دواوينه صرح الكاظمي أنها اللغة البيضاء وهي اللغة الدارجة/العامية الأقرب للفصحى التي تناغم فيها مع صديقه وعرابه الأول السيد علي الموسوي رحمه الله.
رابعاً: من معايير الشعر هو التأثير العاطفي حيث عد الشعر الذي يخلو منها أو كانت ضعيفة أنها ليست بشعر بحسب أحد أدبائنا المفاخر في المدينة المنورة. والكل يشهد أن الكاظمي ترك تأثيراً عاطفياً عميقاً بقصائده التي أوصلتها الحناجر الذهبية للرواديد أعزهم المولى بخدمة المولى أبي عبد الله . بل إنني لمست طعماً جديداً في شعره الذي يلقيه على المنصات ولا أبالغ إن قلت إنه يرقى فوق بعض القصائد المؤدية بحناجر الرواديد حفظهم الله. وأما عن الإبداع والبلاغة وما إلى ذلك فإنه اعتمد على ما لا يكون غامضاً على المتلقي المنبري حيث لم تكن الغاية من نتاجه الغزير الذي وصل إلى 30 مجلداً هو خطاب النخبة ومع ذلك فيه من التجديد المستمر والمتابعين يعرفون ذلك وهذا ما دعاه الكاظمي مراراً وتكراراً. وإذا أردنا أن نختبر شاعرية جابر الكاظمي نراه ولد شاعراً لا لأنه ولد في بيئة شعرية فقد يولد الإنسان في بيئة مثلها ولكن لا يكون شاعراً ولكن مع جابر الأمر مختلف فهو شاعر مطبوع كما يقال وخير دليل هو أول قصيدة كتبها التي مطلعها ”عيني اْعْلى دربك شابحه“ وهي من الشعر الشعبي الغزلي العتبي فهي تحكي عن صاحبها الذي بحق ولد شاعراً ونترك الفرصة للقارئ الكريم للبحث عنها. هذا لا يعني أن شعر الأديب جابر الكاظمي لا قيمة أدبية له بل بالعكس البراعة في أن تكتب بغزارة تخاطب فيها جميع شرائح المجتمع محافظاً على معايير الشعر «القصد + الوزن + القافية + العاطفة + الخيال + الفكرة + البلاغة.....» ملامساً العواطف بالصفاء الشعري والفكري والعقائدي على مدى 25 عاماً بدون خلل في اللغة والفكر والعقيدة والتاريخ وما إلى ذلك، بل إن الجيل الذي تربى على سماع قصائده كان من أوائل الواعين بالانحدار الذي طرأ على بعض القصائد الحسينية الذي أشار له بعض الأدباء المختصين المتابعين لساحة الشعر الحسيني.
خامساً: بحسب ما صرح في إحدى لقاءاته أنه يتعمد الكتابة باللغة التي يعرفها المجتمع ولكن بصورة إبداعية منطلقاً من رواية ذكره، لذلك نجد أن من سمات شعره أنه سهل ممتنع والفراغ الذي تركه يعزز ذلك فلا زال المستمع يتوق لعودة شعر الكاظمي إلى ساحة الرواديد بتلك الغزارة المتجددة والرائعة والمبدعة.
نعم... يبقى السؤال العريض..
متى سيكتب الأستاذ جابر الكاظمي للنخب الأدبية؟
أما حان الوقت الآن لهذا المستوى من الشعر الجابري أن يراه المتعطشون بعد هذه المسيرة الناصعة التي ألبسته وسام ”عميد القصيدة الحسينية الدارجة“ بتعبير الشيخ الكرباسي في موسوعته ”دائرة المعارف الحسينية“؟
أما حان الوقت أن نرى شعراً يسامق مدرسة الفن الحديث/الحداثوي؟
نثق تماماً في مهارة وبراعة الكاظمي.. فهو من أجدر من يستحق حمل لواء الشعر الحسيني ولذا يتطلع جمهوره إلى رؤيته يخاطب النخب بالشعر الحديث ولعلنا نراه في سماء ذلك قريباً فهو كما عبر عن نفسه:
أنا العقاب سماء الله لي وطنٌ
سيان أمري في حلي وأسفاري
وقوله:
مثل طبع النسر طبعي
أطير بهيبة الجنحين
فمن سلك طريق الألف بيت.. لا تصعب عليه طرق المدارس الأخرى وقصيدته ”في جبهة المسيح“ خير دليل.
دمت متألقاً أبا علي....