آخر تحديث: 8 / 9 / 2024م - 12:11 ص

الدَّائرةُ تكبرُ والمدَى يتَّسِع

محمد الحميدي

غيمةٌ تحملُ أحلاماً وتمضِي، ألمحُ أحلامِي بداخلِها، تنظرُ إليَّ ولا تقوَى على الإفلَات، أرفعُ يدَي باتِّجاه السَّماء، وأردِّد النِّداء الأبدِي: ”لبَّيك“.

يتوقَّف صَوتي ولا تتوقَّف قدمِي، أمرُّ إلى داخلِي، وأمرِّر أحلاماً شيَّدتها، وما زلتُ أحفظُها في ذاكرَتي، يُقال: الذاكرةُ لا تنسَى أحلامَ طفولتِها، أو فتوَّتها، أو كُهولتِها؛ لكنَّها سُرعانَ ما تنسَى أحزانَها، حينَ تبدأُ أحلامُها بالتَّفتُّح.

أحلامٌ غضَّة، أصبُّ عليها ماءَ زمزَم، فأسقِي عطشَها من شِريان مكَّة الخالِد، وأرتوِي من الظَّمأ، بينَما رُوحي تُراوِح مكَانها، تبحثُ عن فُرجَة في الدَّائرة!

أتعلَّق بلباسِي الأبيَض، ومعَ أوَّل فُرصَة؛ أندَسُّ بينَ رجُلينِ يردِّدان: ”اللهم لبَّيك“.

مدٌّ بشريٌّ هائلٌ، أستسلمُ وأبدأُ ترانيمِي، أشطحُ بعيداً، ثمَّ أعودُ بذاكرَتي إلى الوَراء؛ أستلُّ ما بقيَ من عُنفُوان، وأرفعُ كفَّي إلى الأعلَى؛ لأمسكَ بأحلامِي التَّائهة.

هُنالك في العُلُو، ثمَّة غيمةٌ شارِدَة، وهُنا في الدُّنُو، ثمَّة رغبةٌ جارِفَة.

بينَ ماضٍ انسلخَ من أحلامِه، ومُستقبلٍ حملَها علَى كتِفَيه؛ أعيشُ اللحظةَ الرَّاهنة، أتطلَّع نحوَ الأعلَى وأستعيدُ ذاكرَتي، لا أرغبُ في شيءٍ الآن، مثلَما أرغبُ بتقبيلِ أحلامِي!

الدَّائرةُ تكبرُ، والمدَى يتَّسِع؛ أحلامٌ آخذةٌ في التَّشكُّل، وثمَّة غيمةٌ آتِية، تلتفُّ وتنشرُ أشرعتَها، أُمسكُ رأسِي، أُدخلُه في جوفِ الحجَرِ الأسوَد، أبثُّه أحلامِي، وحينَ أُخرجُه، تُفرِغ الغَيمةُ قَناديلَها علَي.

أعودُ محمَّلاً بالهدَايا، وأنطلقُ إلى أبديَّتي؛ حيثُ أخلعُ جسَدِي السَّابق، وألبسُ جسداً جديداً، ورُوحاً مبتهِجَة، وأحلاماً تنتظرُ أنْ تتحقَّق.