آخر تحديث: 4 / 12 / 2024م - 9:38 م

ضلال «من طلب المعنى من اللفظ ضل»

محمد العلي * مجلة اليمامة

ثنائية اللفظ والمعنى نشأت منذ أرسطو، أما في ثقافتنا فقد أقام لها الجاحظ مهرجانا جدليا صاخبا. وشغلت كلا من اللغويين والبيانيين والأصوليين، أما ثنائية الظاهر والباطن، فقد وردت في القرآن الكريم، ثم سيطرت ولاتزال، على ميادين فكرية مختلفة، فقديما سيطرت على حركة التصوف والاعتزال والأصوليين والخوارج وطريقة بعض المفسرين. وحديثا على النصوص الإبداعية والمناهج النقدية، وحتى الفهم، فهناك ما أطلق عليه الفهم «الحرفي» وهو ما عناه الغزالي بقوله: «من طلب المعنى من اللفظ ضل»

في الميدان الثقافي ولدت مذاهب إبداعية في ظل هذه الثنائية مثل السريالية والرمزية، ومناهج نقدية كالنسقية والسياقية واللسانية. إن المجهول هو دائما باطن، والإنسان، منذ شعوره بذاته، وهو يحاول كشف هذا الباطن، وكلما كشف باطنا، تراءى له باطن آخر، أي أن طريق المعرفة لا نهاية له، وهو دائما ارتماء في «الاستضاءة بنور غير مرئي» كما قيل في تعريف السريالية.

في السياق الشعري تتجدد المفردة اللغوية، أي تخرج من وضعها الأول إلى أفق المجاز، لا كما حدده ابن رشد، بل في معناه المطلق، وبذا يتعدد فهمه، وهذا التعدد يأخذ مدى عند كل قارئ مختلفا عن الآخر، وهذا يعني تعدد الباطن نفسه. وحين نسأل عن غاية الفلسفة «المسجّاة» فأسرع الأجوبة هو أن غايتها الإجابة عن «لماذا» أي البحث عن علل الموجودات والتصورات والوصول إلى جذور الأشياء، إلى الباطن.

يقول فيلسوف عربي معاصر: «إن في الوجود جانبا باطنا لا مرئيا مجهولا، وأن معرفته لا تتم بالطرق المنطقية  العقلانية، وأن الإنسان دون محاولته الوصول إليه كائن ناقص الوجود والمعرفة» قد يكون هذا الكلام منطلقا من رؤية صوفية، ولكنه، من زاوية معرفية خالصة، ليس بعيدا عن الصواب.

أهلا، أهلا.. هل جئت لتقول لنا: أيها القراء إن هناك ظاهرا وباطنا؟! كلا. جئت لأطرح السؤال: نحن في العالم العربي كله، ما هي رؤيتنا للكون والحياة والإنسان؟ هل نملك تصورا، ولو كان قليل الضوء، لرؤية واضحة، رؤية تغوص لالتقاط المحار، ولا تبقى عند الطحلب؟

والسؤال الأكثر وضوحا هو: هل سلوكنا الواقعي والفكري نابع من وصولنا نحن إلى القناعة به، أم أنه مجرد اقتباس من ثقافة لم نشارك في صنعها، سواء كانت قديمة أو حديثة؟ نحن مقلدون. والمقلد هو الذي يقنع بالظاهر؛ لأنه منفعل لا فاعل، إن فكره سراج مطفي.

كاتب وأديب