اكتشاف تزاحم مدهش بين القدرات المعرفية المهمة في الدماغ
إريك دبليو دولان، مؤسس موقع PsyPost
15 مايو 2024
المترجم: عدنان أحمد الحاجي
المقالة رقم 104 لسنة 2024
Scientists uncover a surprising conflict between important cognitive abilities
Eric W. Dolan
May 15,2024
اكتشف باحثون أن الذين يجيدون بشكل خاص أنماط التعلم [1] وتسلسلات التعلم [التسلسل في مراحل التعلم وصولًا إلى مستويات متقدمة فيها [2] ] يجدون مزيدًا من الصعوبات في المهام التي تتطلب تفكيرًا فعالًا واتخاذ قرارات. وقد وجدت دراستهم الجديدة، الذي نُشرت في مجلة علوم التعلم المرموقة [3] npj Science of Learning، وجود تلازم correlation سلبي بين التعلم الإحصائي [التعلم من البيانات المتوفرة والاستقراء منها للتنبؤ بعوامل أخرى ذات صلة [4] ] والوظائف التنفيذية [5] ، مما يشير إلى أنه عندما يقوى أحدهما، قد يضعف الآخر قليلاً. توفر هذه النتيجة أفكارًا قيمة عن التفاعلات التنافسية «المتزاحمة» التي تعزز مهاراتنا المعرفية.
الدافع وراء الدراسة انبثق من الرغبة في تعميق فهمنا لمدى تفاعل القدرات «المنظومات» المعرفية [7,6] المختلفة داخل الدماغ، وربما تتداخل مع بعضها البعض. من الأمور المركزية في هذا البحث عمليتان معرفيتان أساسيتان: التعلم الإحصائي الضمني «العفوي الذي يجري على مستوى اللاواعي زو العقل الباطن» والوظائف التنفيذية [6] .
يعد التعلم الإحصائي الضمني [8] مهارة معرفية حاسمة تسمح للأفراد باكتشاف الأنماط في البيئة عفويًا، مما يدعم القدرات المعرفية في مجالات تتراوح من اكتساب اللغة إلى التفاعلات الاجتماعية. من ناحية أخرى، الوظائف التنفيذية هي عمليات معرفية [9] عالية المستوى ضرورية للتخطيط واتخاذ القرار وتصحيح الأخطاء والتكيف مع المواقف والحالات الجديدة والمعقدة، وتديرها بشكل أساس قشرة الفص ما قبل الجبهي.
وراء هذا البحث كانت فرضية التفاعل التنافسي بين هذه الأنظمة، والمعروفة باسم تحليل ”الفرضيات المتنافسة [10] “، والتي تفترض أن الاعتماد على نظام معرفي واحد يمكن أن يحد من القدرة التأثيرية أو يقلل من مشاركة نظام آخر. قدمت الدراسات السابقة أدلة أولية تشير إلى مثل هذه التفاعلات، لكنها كانت محدودة بأحجام العينات الصغيرة والتقييمات الضيقة للقدرات المعرفية. ويهدف الباحثون إلى البناء على هذا الأساس لتقديم رؤى أكثر وضوحًا حول مدى تصاحب هذه العمليات المعرفية أو تعارضها «تزاحمها» داخل الدماغ.
”دماغنا هو عبارة عن منظومة إيكولوجية معقدة. تتفاعل فيه العمليات المعرفية العصبية المختلفة باستمرار مع بعضها بعض.“ يمكن أن يكون هذا التفاعل تعاونيًا، ولكن الأمر المثير للاهتمام جدًا هو أن هذه التفاعلات يمكن أن تكون تنافسية أيضًا، " حسبما قال مؤلف الدراسة ديزسو نيميث Dezső Németh من مركز أبحاث علم الأعصاب في المعهد الوطني للصحة والبحوث الطبية INSERM في ليون الفرنسية،
"لذلك هناك منافسة بين العمليات المعرفية العصبية المختلفة في الدماغ. هذا ما كنت أتناوله بالدراسة والبحث منذ سنوات. في هذه الورقة [3] ، أثبتنا أن تعلم المهارات والتعلم الإحصائي الكامن وراء العمليات التنبؤية [11] يتلازمان تلازمًا سلبيًا بالوظائف المرتبطة بالفص الجبهي مثل الوظائف التنفيذية أو وظائف التحكم.
أجرى الباحثون تجربتين. شملت الدراسة الأولى 186 شابًا من فرنسا والدراسة الثانية شملت 157 طالبًا جامعيًا من هنغاريا.
في كلتا الدراستين، لوحظ وجود تلازم سلبي ثابت بين التعلم الإحصائي ومعظم مقاييس أداء الوظائف التنفيذية [التي تتحكم وتضبط العمليات المعرفية [12] ]. يشير هذا إلى أن الأفراد الذين يتفوقون في المهام التي تتطلب مستويات عالية من تحكم وضبط العمليات المعرفية، مثل حل المسائل «المشكلات» المعقدة واتخاذ القرارات، قد يجدون صعوبة في الانخراط في عمليات التعلم الضمني [التعلم الضمني هو تعلم المعلومات المعقدة بطريقة عفوية - على مستوى العقل الباطن» [13] ] التي تعتمد على الكشف اللاواعي عن الأنماط والانتظامات في المحيط أو الاستفادة منها.
”من المدهش جدًا أن نرى هذه المنافسة في خلفية تعلم المهارات،“ كما قال نيميث.
استخدم الباحثون تقنيات تحليل العوامل للتعمق أكثر في البيانات، وكشفوا أن جوانب معينة من عمليات الوظائف التنفيذية - وتحديدًا المهام التي تقيس الطلاقة اللفظية والذاكرة العاملة المعقدة [المترجم: هذه الذاكرة العاملة ترتبط بشكل وثيق بالأداء خلال المهام المعرفيَّة المعقَّدة مثل القراءة والاستيعاب ومقاييس الذكاء «14»] - مقترنة بقوة بهذه التلازمات السلبية negative correlations. افترض الباحثون أن هذه المنافسة «المزاحمة» قد تنبثق لأن هذه المهام التنفيذية تتطلب تحكمًا نشطًا ومعالجة للمعلومات، وهي عمليات يمكن أن تتداخل مع التعرف على الأنماط بشكل تلقائي وغير مقصود «بشكل عفوي» وهو ما يميز التعلم الإحصائي الضمني «العفوي».
النتائج تطعن في النظرة التقليدية للقدرات المعرفية باعتبارها مهارات معزولة، ولكنها تسلط الضوء على الطبيعة التفاعلية والتنافسية الممكنة للعمليات المعرفية المختلفة داخل الدماغ.
قال نيميث لـ موقع PsyPost: ”لدي البشر عمليات وأنظمة «وأجهزة» متعددة للتعلم والذاكرة“. ”لذا، لا يوجد شيء اسمه نظام «جهاز»“ التعلم ”و“ الذاكرة. ”ولكن، هناك عمليات تعلم متعددة وأنظمة ذاكرة «أنظمة ذاكرة متعددة». حين أرغب في تعلم شيء جديد تمامًا أو نمط جديد أو تسلسل جديد تمامًا من محيط لم أره من قبل، بإمكاني أن أقوم بذلك بشكل أفضل لو كانت وظائف الفص ما قبل الجبهية «الوظائف التنفيذية» في دماغي أقل كفاءة.“
وبعبارة أخرى، لو رغبت في تعلم مهارة جديدة، مثل العزف على آلة موسيقية جديدة، فمن الجيد جدًا أن تكون الوظائف المقترنة بالشبكات العصبية في ما قبل الجبهية أضعف. هذا أمر يعد مخالفًا للبديهة تمامًا. في العديد من الأداءات في المدارس، نرى العكس: إذا كنت بحاجة إلى فهم درس في التاريخ أو مادة الأحياء، فمن الجيد والأمثل أن تكون وظيفة الفص ما قبل الجبهي قوية.
ومع ذلك، كان حجم التأثير متواضعًا، مما يشير إلى أنه على الرغم من أن العلاقات ذات دلالة إحصائية معتبرة، إلا أنها قد لا تكون قوية. يشير هذا إلى أن العوامل الأخرى التي لم تقاس في هذه الدراسة قد تلعب أيضًا أدوارًا مهمة في الأداء المعرفي. ومع ذلك، قال نيميث إن النتائج ”مهمة جدًا للأبحاث الأساسية“. ”وتزودنا بمعلومات عن كيف تعمل أدمغتنا. والسؤال هو ما إذا كان من الممكن ترجمة هذه النتائج إلى ممارسة عملية.“
وأضاف نيميث: ”هذه النتائج هي من بين النتائج الأولى في هذا المجال“. "ومع ذلك، من المهم أن ندرك أن الوظائف التنفيذية «وظائف الفص ما قبل الجبهية» والتعلم الإحصائي «العمليات التنبؤية» ليست مفاهيم متجانسة؛ بل إنها تشمل عددًا كبيرًا من الوظائف التنفيذية والجوانب المختلفة للتعلم الإحصائي.
"الاستفسار النقدي يتعلق بالوظائف التنفيذية المعينة وعناصر التعلم الإحصائي التي تظهر تلازمات إيجابية أو سلبية مع بعضها البعض. متى تتنافس ومتى تتعاون؟ يمتد هذا السؤال إلى المستوى الدماغي أيضًا. هدفي هو كشف آليات الدماغ الكامنة وراء هذه التفاعلات.