كشف ”وحدة تحكم“ للجهاز المناعي يُبشر بثورة في علاج الأمراض المناعية
اكتشاف وحدة تحكم رئيسة للجهاز المناعي مما قد يفتح الباب على مصراعيه لاكتشافات واعدة لإدارة وعلاج الكثير من الاضطرابات والأمراض المناعية
مايو 1,2024
المترجم: عدنان أحمد الحاجي
المقالة رقم 99 لسنة 2024
Finding a Master Immune System Controller
MAY 01,2024
دراسة جديدة أثبتت أن بإمكان منطقة في الدماغ أن تحفز جهاز المناعة أو تثبطه، مما يفتح الباب على مصراعيه أمام اكتشافات علمية جديدة - وأساليب جديدة لمعالجة طيف واسع من اضطرابات وأمراض الجهاز المناعي، بدءً من التهاب المفاصل الروماتويدي [1] وحتى متلازمة الصدمة التسممية [2] .
يعد الجهاز المناعي ضروريًا للبقاء على قيد الحياة، حيث يمكّن البشر والمخلوقات الأخرى من صد جحافل من الميكروبات الغازية وغيرها من المخاطر التي تهدد الصحة والحياة. ومع ذلك، في الوقت نفسه، يمكن أن تسيء الأمور، مما يتسبب في اضطرابات مناعية وأمراض مثل التهاب المفاصل الروماتويدي أو متلازمة الصدمة التسممية. ومع ذلك، وعلى الرغم من التعقيدات الهائلة للجهاز، يعتقد الباحثون منذ فترة طويلة أن الجهاز المناعي يحتوي على وحدات تحكم، وذلك باستخدام آليات تغذية راجعة معقدة.
”كل ما هو معروف حتى الآن تقريبًا هو أن التحكم يكمن في الجهاز المناعي نفسه.“ ”كان يُعتقد أن هذا هو كل ما هو موجود، ولم يكن هناك سبب للشك في وجود شيء آخر.“ كما يوضح رسلان ميدزيتوف Ruslan Medzhitov، الباحث في معهد هوارد هيوز الطبي وباحث علم المناعة في كلية الطب بجامعة ييل.
سلسلة من التجارب الرائدة والرائعة نشرت في مجلة نتشر [Nature [3،
في الأول من مايو 2024، اكتشف فريق بقيادة تشارلز زوكر Charles Zuker، الباحث في معهد هوارد هيوز الطبي، أن إحدى وحدات التحكم في الجهاز المناعي تقع بالفعل في مكان آخر في الدماغ. أثبت الباحثون أن مجموعة من الخلايا العصبية في جذع الدماغ تعمل كوحدة تحكم رئيسة أو مقاومة متغيرة «ناظم تيار» rheostat، حيث ترسل وتستقبل إشارات من الخلايا العصبية المبهمة vagal neurons في الجسم إما لزيادة مستوى الالتهاب أو الإنقاص منه.
يقول ميدجيتوڤ Medzhitov، الذي لم يشارك في هذه الدراسة الجديدة، إن هذا الاكتشاف يعد“مثيرًا للدهشة، ””ويفتح نافذة جديدة من نوافذ التفكير واتجاهات جديدة تمامًا لأبحاث مستقبلية.“ ولعل الأمر الأكثر أهمية بالنسبة للبشرية هو أنه يفتح الباب على مصراعيه لتصميم استراتيجيات مختلفة جذريًا لمعالجة الأمراض التي تؤثر في الجهاز المناعي. يقول زوكر، أستاذ الكيمياء الحيوية وعلم الأعصاب في جامعة كولومبيا: ”لقد كنت محظوظًا حيث كنت جزءً من بعض هذه الاكتشافات المهمة، ولكن هذه حالة تعد فريدة من نوعها حيث العلاقة بين العلوم الأساسية والأمراض البشرية واعدة جدًا“.
وبالتالي، كان السؤال المهم الأول لمجموعة زوكر البحثية هو ما إذا كان الدماغ يستجيب بالفعل للإشارات الصادرة عن الجهاز المناعي. لمعرفة ذلك، قام فريقه بحقن فئران بمنشط مناعي معروف، وهو عديد السكاريد الشجمي [4] والذي يعرف اختصارًا ب LPS، ثم قاموا بفحص دماغ الفأر لمعرفة ما إذا كانت هناك مناطق معينة أصبجت نشطة بهذا المنشط. يقول ميدجيتوڤ إن المحاولة كانت بمثابة ”البحث عن إبرة في كومة قش“. لكنها نجحت أخيرًا. وحدد الباحثون منطقة من جذع الدماغ تسمى النواة الذنبية [5] للسبيل المفرد. يتذكر هاو جين Hao Jin، زميل ما بعد الدكتوراه في مختبر زوكر الذي قاد هذه الدراسات، أن ذلك الاكتشاف كان «مثيرًا جدًا». وقد أثيتت الدراسة السابقة التي أجراها فريق زوكر البحثي أن هذه المنطقة من الدماغ تتلقى إشارات أخرى من الجسم والدماغ عبر العصب المبهم.
ولكن هل كانت تلك الخلايا العصبية في جذع الدماغ ترسل الإشارات وتستقبلها أيضًا؟ لقد تناولوا هذه المسألة باستخدام تقنيات الهندسة الوراثية المتطورة. واستخدموا ناقلًا فيروسيًا [6] لإدخال مستقبلات جديدة إلى الخلايا العصبية التي يمكن أن تعمل كمفتاح switch. وباستخدام المواد الكيميائية المرتبطة بربيطات كيميائية ligands مع المستقبلات، تمكن الباحثون من تشغيل وإيقاف الخلايا العصبية. يقول مدجيتوڤ: ”لقد وفرت لهم تلك المواد قوة سحرية تقريبًا للتحكم في جهاز المناعة“.
وفي إحدى التجارب الرئيسة، أعطى الفريق البحثي الفئران منشطات مناعية بينما كانوا يوقفون عمل الخلايا العصبية في الدماغ. وسرعان ما طورت الفئران رد فعل مناعيًا هائلًا وجامحًا، يشبه إلى حد كبير الاستجابة المناعية غير المنتظمة المفرطة الكامنة وراء إنتان الدم القاتل [7] أو عاصفة السيتوكين [8] لدى البشر. ولكن عندما قام الباحثون بتنشيط الخلايا العصبية الجذعية في الدماغ في نفس الوقت الذي تم فيه زيادة جرعات المنشطات، قامت أجهزة المناعة في الفئران باستجابة سريعة وقوية مضادة للالتهابات، وبقبيت جميع تلك الفئران تقريبًا على قيد الحياة.
ولم يتوقف فريق زوكر عند هذا الحد. بل قاموا بفحص العصب المبهم [9] بحثًا عن أدلة حول دوره في التحكم في الجهاز المناعي. يقول مينغتونع لي Mengtong Li، زميل ما بعد الدكتوراه في مختبر زوكر والذي شارك في تأليف الدراسة: ”مما أثار دهشتنا وسرورنا كثيرًا، أننا وجدنا مجموعتين متميزتين من الخلايا العصبية المبهمة“. يحمل أحدهما إشارات ترفع من مستوى للالتهاب إلى الدماغ. وأخرى تحمل إشارات مضادة للالتهابات، وبالتالي فإن مجموعتي الخلايا العصبية هاتين معًا تخبران الدماغ بحالة الالتهاب.
يقول الباحثون أن النتائج الجديدة سيكون لها تبعات عميقة على كل من العلوم الأساسية والتطبيقات السريرية. ”هذه النتائج تجعلنا نفكر مباشرةً في طرح مسائل جديدة ومثيرة للاهتمام جدًا“، مثلًا، كيف تنتقل الإشارات من الجهاز المناعي إلى الدماغ والعكس، وكيف يمكن أن يسوء الأمر بنظام التحكم الرئيس في العديد من الأمراض والاضطرابات، بما في ذلك حالات الالتهاب الخارجة عن السيطرة. وبالنسبة لأولئك الذين يعانون من اضطرابات الجهاز المناعي، توفر هذه الاكتشافات مسارات محتملة للأدوية التي يمكنها التحكم بدقة في مستويات وحدة التحكم الرئيسة حسب الحاجة لتصحيح الخلل الوظيفي. يقول هاو جين: ”قد يساعد هذا في تغيير طريقة تفكيرنا في إدارة الكثير من الاضطرابات والأمراض المناعية“.